للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا عَرَّفَ أُصُولَ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ فَالْآنَ يُعَرِّفُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ لِعِلْمٍ مَخْصُوصٍ فَيَقُولُ.

(وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ) أَيْ الْعِلْمُ بِالْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ تَوَصُّلًا قَرِيبًا وَإِنَّمَا قُلْنَا تَوَصُّلًا قَرِيبًا احْتِرَازًا عَنْ الْمَبَادِئِ كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ احْتِرَازًا عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِ وَالْجَدَلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ، بَلْ الْغَرَضُ مِنْهُ إلْزَامُ الْخَصْمِ

ــ

[التلويح]

وَعَلَى الْفِقْهِ) بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ لَقَبٌ لِلْعِلْمِ الْمَخْصُوصِ لَا حَاجَةَ إلَى إضَافَةِ الْعِلْمِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ زِيَادَةَ بَيَانٍ وَتَوْضِيحٍ كَشَجَرِ الْأَرَاكِ وَالْقَاعِدَةُ حُكْمٌ كُلِّيٌّ يَنْطَبِقُ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ لِيَتَعَرَّفَ أَحْكَامَهَا مِنْهُ كَقَوْلِنَا كُلُّ حُكْمٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَهُوَ ثَابِتٌ وَالتَّوَصُّلُ الْقَرِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْبَاءِ السَّبَبِيَّةِ الظَّاهِرَةِ فِي السَّبَبِ الْقَرِيبِ وَمِنْ إطْلَاقِ التَّوَصُّلِ إلَى الْفِقْهِ، إذْ فِي الْبَعِيدِ يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاسِطَةِ وَمِنْهَا إلَى الْفِقْهِ فَيَخْرُجُ الْعِلْمُ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَبَادِئِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالتَّوَصُّلُ بِهِمَا إلَى الْفِقْهِ لَيْسَ بِقَرِيبٍ، إذْ يَتَوَصَّلُ بِقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ إلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا الْوَضْعِيَّةِ وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ يَقْتَدِرُ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ يَتَوَصَّلُ بِقَوَاعِدِ الْكَلَامِ إلَى ثُبُوتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوُجُوبِ صِدْقِهِمَا لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى الْفِقْهِ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا وَلَمْ يُتْرَكْ سُدًى، بَلْ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْ أَعْمَالٍ حُكْمٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ مَنُوطٌ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ لِيَسْتَنْبِطَ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ مَا يُنَاسِبُهُ لِتَعَذُّرِ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ فَحَصَلَتْ قَضَايَا مَوْضُوعَاتُهَا أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَمَحْمُولَاتُهَا أَحْكَامُ الشَّارِعِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَسُمِّيَ الْعِلْمُ بِهَا الْحَاصِلُ مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ فِقْهًا، ثُمَّ نَظَرُوا فِي تَفَاصِيلِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ وَعُمُومِهَا فَوَجَدُوا الْأَدِلَّةَ رَاجِعَةً إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالْأَحْكَامَ رَاجِعَةً إلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَتَأَمَّلُوا فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ إجْمَالًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَفَاصِيلِهِمَا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمِثَالِ فَحَصَلَ لَهُمْ قَضَايَا كُلِّيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ إجْمَالًا وَبَيَانُ طُرُقِهِ وَشَرَائِطِهِ لِيَتَوَصَّلَ بِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا إلَى اسْتِنْبَاطِ كَثِيرٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْجُزْئِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ فَضَبَطُوهَا وَدَوَّنُوهَا وَأَضَافُوا إلَيْهَا مِنْ اللَّوَاحِقِ وَالْمُتَمِّمَاتِ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا يَلِيقُ بِهَا وَسَمَّوْا الْعِلْمَ بِهَا أُصُولَ الْفِقْهِ فَصَارَتْ عِبَارَةً عَنْ الْعِلْمِ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ وَلَفْظُ الْقَوَاعِدِ مُشْعِرٌ بِقَيْدِ الْإِجْمَالِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ قَيْدَ التَّحْقِيقِ احْتِرَازًا عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ قَوَاعِدِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْفِقْهِ تَوَصُّلًا قَرِيبًا، بَلْ إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَافَظَةِ الْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ أَوْ مُدَافَعَتِهِ وَنِسْبَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>