(الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ) الرُّجْحَانُ بِلَا مُرَجِّحٍ بَاطِلٌ، وَكَذَا التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَكِنَّ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ الْمَرْجُوحُ، وَاقِعٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ تَرْجِيحٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ لِلرَّاجِحِ فَقَطْ أَوْ الْمُتَسَاوِي أَوْ الْمَرْجُوحِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا التَّرْجِيحُ لَا يُوجَدُ مُمْكِنٌ أَصْلًا، وَكَذَا تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَكُونُ رَاجِحًا بِالذَّاتِ بَلْ بِالْغَيْرِ فَتَرْجِيحُ الرَّاجِحِ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ الثَّابِتِ أَوْ احْتِيَاجِ كُلِّ تَرْجِيحٍ إلَى تَرْجِيحٍ قَبْلَهُ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ فَالتَّرْجِيحُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُتَسَاوِي، وَالْمَرْجُوحِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ مَعْدُومٌ فَعَدَمُهُ رَاجِحٌ عَلَى وُجُودِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلَّةِ الْعَدَمِ، وَمُسَاوٍ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتِ الْمُمْكِنِ فَإِيجَادُهُ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ أَوْ الْمُسَاوِي عَلَى أَنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُرَجِّحَ الْفَاعِلُ بِهَا أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ الْمَرْجُوحَ عَلَى الْآخَرِ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُعَلَّلُ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْإِرَادَةِ تَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ رُجْحَانُ الْمَرْجُوحِ أَوْ الْمُتَسَاوِي مَا دَامَا كَذَلِكَ فَإِذَا
ــ
[التلويح]
بِكَوْنِ الْوَاجِبِ تَعَالَى مُوجِبًا بِالذَّاتِ، وَمُوجِبًا لِكَوْنِهِ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ مُوجِبًا إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِالِاخْتِيَارِ لَكَانَ فِعْلُهُ جَائِزَ التَّرْكِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْمُمْكِنِ مَعَ وُجُودِ عِلَّتِهِ التَّامَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الرُّجْحَانُ بِلَا مُرَجِّحٍ وَلَوْ مَنَعَ تَمَامِيَّةِ الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ لِنَقْلِ الْكَلَامِ إلَى الِاخْتِيَارِ بِأَنَّهُ إمَّا قَدِيمٌ فَيَلْزَمُ قِدَمُ الْحَادِثِ أَوْ حَادِثٌ فَيَتَسَلْسَلُ الِاخْتِيَارَاتُ فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إثْبَاتِ الْأُمُورِ اللَّامَوْجُودَةِ، واللَّامَعْدُومةِ إلَّا بِالْتِزَامِ وُجُودِ الْمُمْكِنِ بِدُونِ وُجُوبِهِ حَتَّى إنَّ الْفِعْلَ يَصْدُرُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَا يَجِبُ وُجُودُهُ مَا دَامَ ذَاتَ الْوَاجِبِ بَلْ يَجُوزُ عَدَمُهُ مَعَ وُجُودِ جَمِيعِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلرُّجْحَانِ بِلَا مُرَجِّحٍ أَيْ وُجُودُ الْمُمْكِنِ بِلَا مُوجِدٍ، وَإِيجَادٍ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ إثْبَاتِ الْأُمُورِ اللَّامَوْجُودَةِ، واللَّامَعْدُومةِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُمْكِنِ الْإِيقَاعُ، وَالِاخْتِيَارُ، وَالْإِيقَاعُ لَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ عِلَّتِهِ التَّامَّةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهِ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ أَعْنِي الرُّجْحَانَ بِلَا مُرَجِّحٍ بِمَعْنَى وُجُودِ الْمُمْكِنِ مِنْ غَيْرِ مُوجِدٍ إذْ لَا وُجُودَ لِلْإِيقَاعِ، وَلَا لِلِاخْتِيَارِ كَمَا لَا عَدَمَ لَهُمَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُهَا إلَى الْوَاجِبِ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْحَوَادِثِ أَوْ انْتِفَاءِ الْوَاجِبِ فَيَلْزَمُ اسْتِنَادُهَا إلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فَاعِلًا مُخْتَارًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
(قَوْلُهُ: الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الرُّجْحَانَ بِلَا مُرَجِّحٍ) أَيْ وُجُودُ الْمُمْكِنِ بِلَا مُوجِدٍ بَاطِلٌ، وَكَذَا التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ أَيْ الْإِيجَادُ بِلَا مُوجِدٍ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ بَدِيهِيٌّ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ فَجَائِزٌ وَاقِعٌ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute