وَلَا يَصِحُّ انْفِرَادُ الْقَادِرِ بِإِيقَاعِ الْمَقْدُورِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ فَالْكَسْبُ لَا يُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ بَلْ يُوجِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَسْبٌ اتِّصَافَ الْفَاعِلِ بِذَلِكَ الْمَقْدُورِ ثُمَّ اخْتِلَافَ الْإِضَافَاتِ كَكَوْنِهِ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً حَسَنَةً أَوْ قَبِيحَةً مَبْنِيَّةً عَلَى الْكَسْبِ لَا عَلَى الْخَلْقِ إذْ خَلْقُ الْقَبِيحِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ إذْ خَلْقُهُ لَا يُنَافِي الْمَصْلَحَةَ، وَالْعَاقِبَةَ الْحَمِيدَةَ بَلْ يَشْتَمِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الِاتِّصَافُ بِهِ بِإِرَادَتِهِ، وَقَصْدِهِ قَبِيحٌ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَسْبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ يُوجِبُ الِاتِّصَافَ بِهِ فَالْقَصْدُ إلَيْهِ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى الْقَبِيحِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ كُلَّمَا قَصَدَهُ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا جَبْرَ فِي الْقَصْدِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَنْفُونَ عَنْ الْعَبْدَ قُدْرَةَ الْإِيجَادِ، وَالتَّكْوِينِ فَلَا خَالِقَ، وَلَا مُكَوِّنَ إلَّا اللَّهُ لَكِنْ يَقُولُونَ: إنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً مَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ أَمْرٍ حَقِيقِيٍّ لَمْ يَكُنْ بَلْ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِقُدْرَتِهِ النَّسَبُ، وَالْإِضَافَاتُ فَقَطْ كَتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَتَرْجِيحِهِ هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ، وَالْقُدْرَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ فَقَوْلُهُ: إنَّ الِاتِّفَاقِيَّ، وَالِاضْطِرَارِيَّ لَا يُوصَفَانِ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ اتِّفَاقِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَسَنًا لِذَاتِهِ أَوْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُوجِبَ ذَاتُ الْفِعْلِ أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ لُحُوقَ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ بِكُلِّ مَنْ اتَّصَفَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ اتِّصَافُهُ بِهِ اخْتِيَارِيًّا أَوْ اضْطِرَارِيًّا أَوْ اتِّفَاقِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْمَدُ عَلَى صِفَاتِهِ الْعُلْيَا مَعَ أَنَّ اتِّصَافَهُ بِهَا لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ عَلَى أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ يُسَلِّمُ الْقُبْحَ، وَالْحُسْنَ عَقْلًا بِمَعْنَى الْكَمَالِ، وَالنُّقْصَانِ
ــ
[التلويح]
أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا حَالَ وُجُودِهِ ثُمَّ حُصُولُ قُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَسْبَابٍ لَا تَكُونُ بِقُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ دَفْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عِنْدَ الْأَسْبَابِ يَجِبُ الْفِعْلُ، وَعِنْدَ فُقْدَانِهَا يَمْتَنِعُ فَاَلَّذِي يَنْظُرُ إلَى الْأَسْبَابِ الْأُولَى، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ، وَلَا بِإِرَادَتِهِ يَحْكُمُ بِالْجَبْرِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْقَرِيبَ لِلْفِعْلِ هُوَ قُدْرَةُ الْعَبْدِ، وَإِرَادَتِهِ، وَاَلَّذِي يَنْظُرُ إلَى السَّبَبِ الْقَرِيبِ يَحْكُمُ بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَحْصُلْ، بِأَسْبَابٍ كُلِّهَا مَقْدُورَةٌ، وَمُرَادُهُ فَالْحَقُّ أَنْ لَا جَبْرَ، وَلَا تَفْوِيضَ، وَلَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتِلَافُ الْإِضَافَاتِ) لَمَّا جَعَلَ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ قَبِيحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْقَبَائِحِ حَاوَلَ التَّقَصِّيَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُسْنَ، وَالْقُبْحَ، وَالطَّاعَةَ، وَالْمَعْصِيَةَ اعْتِبَارَاتٌ رَاجِعَةٌ إلَى الْكَسْبِ دُونَ الْخَلْقِ فَيَسْتَنِدُ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْقَ الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَخَلْقَ الْقَبِيحِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ بَلْ رُبَّمَا يَتَضَمَّنُ مَصَالِحَ، وَإِنَّمَا الْقَبِيحُ كَسْبُ الْمَعْصِيَةِ، وَالْقَبِيحِ فَلَا يَقْبُحُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقُهَا، وَيَقْبُحُ مِنْ الْعَبْدِ كَسْبُهَا.
(قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ إنَّ الِاتِّفَاقِيَّ، وَالِاضْطِرَارِيَّ لَا يُوصَفَانِ بِالْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ) مَنْعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute