للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنُجِيبُ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ فَعِلْمُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِاخْتِيَارِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَيِّزِ الْإِمْكَانِ أَيْ: عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا وَمُخْتَارًا لَهُ.

(وَعِنْدَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا) أَيْ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي أَفْعَالِهِ.

(بَلْ هُوَ مَجْبُورٌ، ثُمَّ عِنْدَنَا عَدَمُ جَوَازِهِ) أَيْ: عَدَمُ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ.

(لَيْسَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَحَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ بَلْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِحُكْمِهِ وَفَضْلِهِ، ثُمَّ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا لِنَفْسِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقُدْرَةِ) وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الْفَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ.

(بَلْ هُوَ يَثْبُتُ) أَيْ: نَفْسُ الْوُجُوبِ (بِالسَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي) أَيْ: فِي فَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ.

(وَالْقُدْرَةُ نَوْعَانِ مُمَكِّنَةٌ وَمُيَسِّرَةٌ فَالْمُمَكِّنَةُ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَأْمُورُ

ــ

[التلويح]

بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ، وَهُوَ مُحَالٌ فَلَزِمَ وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ فَضْلًا عَمَّا لَا يُطَاقُ، وَمَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِمَا قِيلَ إنَّ تَكْلِيفَهُ بِجَمِيعِ مَا أُنْزِلَ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَبَعْدَهُ هُوَ مُكَلَّفٌ بِمَا عَدَا التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ) أَيْ: لَوْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُوجَدُ بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ فِي أَنَّ الْعَبْدَ مَجْبُورٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا تَأْثِيرَ لِقُدْرَتِهِ أَصْلًا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ إذْ الْأَشْعَرِيُّ وَإِنْ قَالَ بِالْوُقُوعِ لَمْ يَقُلْ بِالْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ عِنْدَنَا) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَصْلَحُ لِعِبَادِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ عَدَمَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ أَصْلَحُ فَيَكُونُ وَاجِبًا فَيَكُونُ التَّكْلِيفُ مُمْتَنِعًا، وَعِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَضْلِ أَنْ يُكَلِّفَ عِبَادَهُ بِمَا لَا يُطِيقُونَهُ أَصْلًا فَيَلْزَمُ التَّرْكُ بِالضَّرُورَةِ وَيَسْتَحِقُّوا الْعَذَابَ وَمَا لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَضْلِ سَفَهٌ، وَتَرْكُ إحْسَانٍ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَهُوَ قَبِيحٌ لَا يَجُوزُ صُدُورُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ مَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ بَلْ اللُّزُومُ وَعَدَمُ جَوَازِ التَّرْكِ، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَضْلِ قَوْلٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ تَفَضُّلًا عَلَى الْعِبَادِ وَإِحْسَانًا، وَهَذَا قَوْلٌ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْكُ لَكِنَّهُ يَتْرُكُ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا قُلْنَا فَحِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ الْمُدَّعِي بَلْ يَثْبُتُ عَدَمُ الْوُقُوعِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ) فَإِنْ قِيلَ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ التَّكْلِيفِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْأَمْرِ، وَالتَّكْلِيفُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ فَكَيْفَ يَنْفَكُّ نَفْسُ الْوُجُوبِ عَنْ الْقُدْرَةِ.؟ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ التَّكْلِيفَ هُوَ طَلَبُ إيقَاعِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ، وَنَفْسُ الْوُجُوبِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَتَعْرِفُ مِنْ أَنَّ نَفْسَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ هُوَ لُزُومُ وُقُوعِ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِلْعِبَادَةِ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>