للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَقَاءُ النِّصَابِ أَبَدًا، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ هَذَا الْيُسْرِ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ إنْ أَخَّرَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ خَمْسِينَ سَنَةً، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَيْضًا لَا يَنْقَلِبُ الْيُسْرُ عُسْرًا، فَإِنَّ الْيُسْرَ الَّذِي حَصَلَ بِاشْتِرَاطِ الْحَوْلِ لَا يَنْقَلِبُ عُسْرًا بَلْ غَايَتُهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ يُسْرًا آخَرَ أَنَّهُ

ــ

[التلويح]

الْكَامِلَ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ أُمُورٍ مُتَفَاوِتَةٍ بَعْضُهَا أَسْهَلُ مِنْ الْبَعْضِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ دَلِيلُ التَّيْسِيرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ صُورَةً فَقَطْ بِأَنْ تَكُونَ الْأُمُورُ مُتَمَاثِلَةً فِي الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ التَّأْكِيدِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَدَاءِ أَلْبَتَّةَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَا) أَيْ: كَوْنَ الْمُرَادِ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْمَالِ هُوَ الْعَجْزُ فِي الْعُمْرِ يُبْطِلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ لِأَنَّ هَذَا الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي آخِرِ الْعُمْرِ، وَبَعْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ تَرَتُّبُ الصَّوْمِ عَلَى عَدَمِ الْوِجْدَانِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَحْصُلَ الْقُدْرَةُ فِي الِاسْتِقْبَالِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى إنْ تَحَقَّقَ الْقُدْرَةُ) أَرَادَ بِهَا مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَوْ ثَمَنِهَا الْقُدْرَةُ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَجْمِعَةُ لِجَمِيعِ شَرَائِطِ التَّأْثِيرِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ فَلَا مَعْنَى لِزَوَالِهَا وَسَقُوطِ الْإِعْتَاقِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا غَيْرُ عَيْنٍ) فَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَةِ يَعُودُ بِهِ هَلَاكُ الْمَالِ بِإِصَابَةِ مَالٍ آخَرَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَلَا يَعُودُ فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ دُونَ الزَّكَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) اُعْتُرِضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ الْيُسْرُ عُسْرًا أَوَّلًا بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ، وَثَانِيًا بِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ انْقِلَابُ الْيُسْرِ عُسْرًا بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ أَحَدِ الْيُسْرَيْنِ، وَهُوَ النَّمَاءُ مَثَلًا دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ، فَإِنَّ حُصُولَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ يُسْرٌ وَبَقَاؤُهَا يُسْرٌ آخَرُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْتِزَامُ الْفَوَاتِ فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْمَالِ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا فُوِّتَ بِهَذَا الْحَبْسِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا بَلْ الْمَالُ حَقُّهُ مِلْكًا، وَيَدًا، وَإِنَّمَا حَقُّ الْفَقِيرِ فِي أَنْ يُعَيَّنَ مَحَلًّا لِلصَّرْفِ إلَيْهِ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ الْخِيَارُ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ فَلَعَلَّهُ حُبِسَ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ لِيُؤَدِّيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَضْمَنُ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْعَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى صَارَ بَحْرًا، وَمَنْعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ عَنْ الْبَيْعِ أَوْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ عَنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْأَرْشِ حَتَّى هَلَكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ مَعْنَى انْقِلَابِ الْيُسْرِ إلَى الْعُسْرِ أَنَّهُ وَجَبَ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ يُسْرًا أَوْ سُهُولَةً فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ لَوَجَبَ بِطَرِيقِ الْغَرَامَةِ وَالتَّضْمِينِ فَيَصِيرُ عُسْرًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْيُسْرِ يَصِيرُ عُسْرًا، فَإِنَّهُ مُحَالٌ عَقْلًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْيَسِيرُ عَسِيرًا، وَبِالْعَكْسِ فَلْيُتَأَمَّلْ إنَّهُ الْمُيَسِّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>