التَّقْدِيمِ ضَرُورَةٌ، فَإِنَّ مُحَافَظَةَ وَقْتِ الصُّبْحِ مُتَعَذِّرَةٌ جِدًّا فَالتَّقْدِيمُ الَّذِي لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ الْمُنَافِي كَالِاتِّصَالِ قُلْنَا: وَفِي التَّأْخِيرِ أَيْضًا ضَرُورَةٌ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الْفَرْضِ حَرَامٌ، وَنِيَّةُ النَّفْلِ لَغْوٌ عِنْدَكُمْ فَيَثْبُتُ الضَّرُورَةُ، وَأَيْضًا الضَّرُورَةُ لَازِمَةٌ فِي غَيْرِ يَوْمِ الشَّكِّ أَيْضًا إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا دَرَكَ لَهُ أَصْلًا وَاجِبَةٌ حَتَّى أَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ النُّقْصَانِ أَفْضَلُ مِنْ الْقَضَاءِ بِدُونِهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا كَفَّارَةَ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ الْمَنْوِيِّ نَهَارًا أَوَّلُهُمَا قَوْلُهُ لَمَا صَحَّ بِالنِّيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي إلَخْ، وَالدَّلِيلُ الثَّانِي يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّوْمَ الْمَنْوِيَّ نَهَارًا إنَّمَا يَصِحُّ ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّيَانَةَ وَاجِبَةٌ فَعَلَى هَذَا الدَّلِيلِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا أَفْسَدَهُ.
(وَمِنْ حُكْمِهِ) أَيْ مِنْ حُكْمِ هَذَا الْقِسْمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مِعْيَارًا لِلْمُؤَدَّى.
(أَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِكُلِّ الْيَوْمِ فَلَا يُقَدَّرُ النَّفَلُ بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ النَّهَارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا نَوَى النَّفَلَ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ صَوْمُهُ مِنْ زَمَانِ النِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
(وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ صَوْمِ رَمَضَانَ.
(الْمَنْذُورُ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَنِيَّةِ النَّفْلِ لَكِنْ إنْ صَامَ عَنْ، وَاجِبٍ آخَرَ يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ مُؤَثِّرٌ
ــ
[التلويح]
أَنَّ الْمُرَادَ بِنِصْفِ النَّهَارِ هَاهُنَا هُوَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ النَّهَارِ الصَّوْمِيِّ أَعْنِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الزَّوَالُ فَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ بِاعْتِبَارِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى قُبَيْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِأَكْثَرِ النَّهَارِ الصَّوْمِيِّ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ بِشَرْطِ الْإِمْسَاكِ وَالْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ وَيَنَالُ ثَوَابَ صَوْمِ الْجَمِيعِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ) يَعْنِي لَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا فَهَذَا الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَقْتَ مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِذَلِكَ الصَّوْمِ حَتَّى يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ لَكِنْ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ وَقْتِ الْمَنْذُورِ إنَّمَا حَصَلَ بِتَعْيِينٍ مِنْ النَّاذِرِ لَا بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَيُؤَثِّرُ فِيمَا هُوَ حَقُّ النَّاذِرِ كَالنَّفْلِ حَتَّى يَنْصَرِفَ إلَى مَا تَعَيَّنَ لَهُ الْوَقْتُ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا هُوَ حَقُّ الشَّارِعِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْآخَرُ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَنْذُورِ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَيَّدُوا، النَّذْرَ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ بِأَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَجَعَلُوا حُكْمَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَنَّ الْوَقْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا لِلصَّوْمِ افْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute