للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِمْ فَإِذَا قَصُرَ فِقْهُ الرَّاوِي لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ مَعَانِيهِ فَتَدْخُلُهُ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ يَخْلُو عَنْهَا الْقِيَاسُ.

وَذَلِكَ كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «مَنْ اشْتَرَى شَاةً فَوَجَدَهَا مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» .

وَالْمُحَفَّلَةُ شَاةٌ جُمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا بِتَرْكِ حَلْبِهَا لِيَظُنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً فَيَغْتَرَّ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ

ــ

[التلويح]

وَإِنَّمَا اسْتَفَاضَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِتَقْرِيرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ بِالرِّوَايَةِ، وَالتَّدْوِينِ.

وَأَمَّا ثَالِثًا؛ فَلِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْغَيْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْفِقْهِ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْكَشْفِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُسْتَحْدَثٌ، وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ اسْتِبْعَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ لَيْسَ تَقْدِيمًا لِلْقِيَاسِ بَلْ اسْتِبْعَادًا لِلْخَبَرِ لِظُهُورِ خِلَافِهِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِأَنَّ الْكِتَابَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي الْآيَةِ حَتَّى يَثْبُتَ بِهِ قِيَاسٌ يُعَارِضُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ خُصَّ مِنْهُ الْقِيَاسُ الَّذِي يُعَارِضُهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْخَبَرِ، وَالْقِيَاسِ.

(قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ) مِنْ صَرَيْتُهُ إذَا جَمَعْتُهُ، وَالْمُرَادُ الشَّاةُ الَّتِي جُمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا بِالشَّدِّ، وَتَرْكِ الْحَلْبِ مُدَّةً لِيَظُنَّهَا الْمُشْتَرِي كَثِيرَةَ اللَّبَنِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِيَظُنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً فِيهِ نَظَرٌ وَكَذَا الْمُحَفَّلَةُ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ، وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَيُرْوَى «بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ» وَيُرْوَى «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» الْحَدِيثَ.

وَوَجْهُ كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ أَنَّ تَقْدِيرَ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ بِالْمِثْلِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَتَقْدِيرُهُ بِالْقِيمَةِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا» ، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى وُجُوبِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْعَيْنِ فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ رَدُّ هَذَا الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ مِنْ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ صَرِيحًا لَكِنَّهُ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ ظَهَرَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا رَضِيَ لِحَلْبِ الشَّاةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ فِيهَا الضَّمَانُ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ قِيَاسًا عَلَى صُورَةِ الْعُدْوَانِ الصَّرِيحِ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>