(فَصْلٌ فِي الِانْقِطَاعِ) أَيْ: انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ عَنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ أَمَّا الظَّاهِرُ فَكَالْإِرْسَالِ) الْإِرْسَالُ عَدَمُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِسْنَادَ وَالْإِسْنَادُ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرْسَلُ مُنْقَطِعٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ الْإِسْنَادِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّصَالُ لَا مِنْ حَيْثُ الْبَاطِنُ لِلدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ الدَّالَّةِ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ.
(وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ، وَمُرْسَلُ الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنْ يَثْبُتَ اتِّصَالُهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ؛ لِأَنِّي وَجَدْتهَا مَسَانِيدَ، لِلْجَهْلِ بِصِفَاتِ الرَّاوِي الَّتِي تَصِحُّ بِهَا الرِّوَايَةُ) ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَيُقْبَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ فَوْقَ الْمُسْنَدِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَرْسَلُوا، وَقَالَ الْبَرَاءُ مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُهُ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا حُدِّثْنَا عَنْهُ لَكِنَّا لَا نَكْذِبُ. وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِي إرْسَالِ مَنْ لَوْ أَسْنَدَ لَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ فَلَأَنْ لَا يُظَنَّ الْكَذِبُ عَلَى الرَّسُولِ أَوْلَى، وَالْمُعْتَادُ أَنَّهُ إذَا وَضَحَ لَهُ الْأَمْرُ طَوَى الْإِسْنَادَ وَجَزَمَ، وَإِذَا لَمْ يَتَّضِحْ نَسَبُهُ إلَى الْغَيْرِ لِيُحَمِّلَهُ مَا حَمَلَهُ)
هَذَا جَوَابُ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ
ــ
[التلويح]
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ» ، وَهُوَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِشْهَادِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ مَا هُوَ شَهَادَةٌ فَفَسَّرَهُ بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَتَفْسِيرُ الْمُجْمَلِ يَكُونُ بَيَانًا لِجَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] نَصٌّ عَلَى أَنَّ أَدْنَى مَا يَنْتَفِي بِهِ الرِّيبَةُ هُوَ هَذَانِ النَّوْعَانِ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْأَدْنَى شَيْءٌ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُمْنَعُ الْإِجْمَالُ، وَالْحَصْرُ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ لِلشَّارِعِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْأُمُورِ إلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ إلَى الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذَلِكُمْ إشَارَةٌ إلَى أَنْ تَكْتُبُوهُ، وَأَدْنَاهُ مَعْنَاهُ أَقْرَبُ مِنْ انْتِفَاءِ الرِّيَبِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّفْسِيرِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ ابْتَدَعَهُ مُعَاوِيَةُ فِي الدِّينِ بِنَاءً عَلَى خَطَئِهِ كَالْبَغْيِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمُحَارَبَةِ الْإِمَامِ، وَقَتْلِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ بِهِ إلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَكِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي» ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ مُبْتَدَعَاتِ مُعَاوِيَةَ.
(قَوْلُهُ: وَكَحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute