أَمْرٌ عَظِيمٌ مِمَّا لَا يُتَسَاهَلُ فِيهِ وَتَصْحِيحُ الْإِجَازَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا فِيهِ، وَفِيهِ فَتْحٌ لِبَابِ التَّقْصِيرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ لَا أَمْرٌ يَقَعُ بِهِ الِاحْتِجَاجُ. وَأَمَّا الضَّبْطُ فَالْعَزِيمَةُ فِيهِ الْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَقَدْ كَانَتْ رُخْصَةً فَانْقَلَبَتْ عَزِيمَةً فِي هَذَا الزَّمَانِ صِيَانَةً لِلْعِلْمِ.
وَالْكِتَابَةُ نَوْعَانِ مُذَكِّرٌ أَيْ: إذَا رَأَى الْخَطَّ تَذَكَّرَ الْحَادِثَةَ هَذَا هُوَ الَّذِي انْقَلَبَ عَزِيمَةً، وَأَمَامٌ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ التَّذَكُّرَ، وَالْأَوَّلُ حُجَّةٌ سَوَاءٌ خَطَّهُ هُوَ أَوْ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ أَوْ مَجْهُولٌ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَصْلًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ يُقْبَلُ فِي الْأَحَادِيثِ وَدِيوَانِ الْقَضَاءِ لِلْأَمْنِ مِنْ التَّزْوِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لَا يُقْبَلُ فِي دِيوَانِ الْقَضَاءِ، وَيُقْبَلُ فِي الْأَحَادِيثِ إذَا كَانَ خَطًّا مَعْرُوفًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّبْدِيلُ عَادَةً، وَلَا يُقْبَلُ فِي الصُّكُوكِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْخَصْمِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي يَدِ الشَّاهِدِ يُقْبَلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْبَلُ أَيْضًا فِي الصُّكُوكِ إذَا عُلِمَ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ خَطُّهُ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ فِيهِ نَادِرٌ، وَمَا يَجِدُهُ بِخَطِّ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ فِي كِتَابٍ مَعْرُوفٍ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: وَجَدْت بِخَطِّ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا الْخَطُّ الْمَجْهُولُ فَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِ خَطُّ جَمَاعَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ التَّزْوِيرُ فِي مِثْلِهِ وَالنِّسْبَةُ تَامَّةٌ يُقْبَلُ وَغَيْرُ مَضْمُومٍ لَا الْمُرَادُ مِنْ النِّسْبَةِ التَّامَّةِ أَنْ يَذْكُرَ الْأَبَ وَالْجَدَّ (وَأَمَّا التَّبْلِيغُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ
ــ
[التلويح]
أَنَّ كُلَّ مُحَدِّثٍ لَا يَجِدُ رَاغِبًا إلَى سَمَاعِ جَمِيعِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ السُّنَنِ وَانْقِطَاعُهَا فَلِذَا كَانَتْ رُخْصَةً.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَمْرٌ يُتَبَرَّكُ بِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ الْإِجَازَةَ، وَالْمُنَاوَلَةَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُجَازِ لَهُ بِمَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِمَامٌ) يَعْنِي أَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهُ التَّذَكُّرَ بَلْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ اعْتِمَادَ الْمُقْتَدِي عَلَى إمَامِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ عِنْدَهُ التَّذَكُّرُ، وَالْعَوْدُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِفْظِ حَتَّى تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْ حِفْظٍ تَامٍّ إذْ الْحِفْظُ الدَّائِمُ مِمَّا يَتَعَسَّرُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِ الِاشْتِغَالِ بِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَفُرُوعِ الْأَحْكَامِ وَذَكَرَ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ مَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَمَاعَهُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي قِرَاءَتِهِ وَلَكِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَدِيوَانُ الْقَضَاءِ) هُوَ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ قِطَعِ الْقَرَاطِيسِ يُقَالُ دَوَّنْت الْكُتُبَ جَمَعْتهَا، وَقَدْ يُقَالُ الدِّيوَانُ لِمَجْمَعِ الْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» ) الْحَدِيثَ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ أَدَاءٌ كَمَا سَمِعَ وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ غَايَتُهُ أَنَّهُ دُعَاءٌ لِلنَّاقِلِ بِاللَّفْظِ؛ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ) يَعْنِي: يُوجَدُ فِي الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ يَسِيرَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَلَى تَأْدِيَةِ تِلْكَ الْمَعَانِي بِعِبَارَتِهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute