للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ كُنَّا فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَكْفِيكَ ضَرْبَتَانِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ عُمَرُ فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ عَمَّارٍ» يُقَالُ: تَمَعَّكَتْ الدَّابَّةُ فِي التُّرَابِ أَيْ: تَمَرَّغَتْ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَذَا أَنَّ عَمَّارًا لَوْ لَمْ يَحْكِ حُضُورَ عُمَرَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لَقَبِلَهُ عُمَرُ لِعَدَالَةِ عَمَّارٍ فَالْمَانِعُ مِنْ الْقَبُولِ أَنَّ عَمَّارًا حَكَى حُضُورَ عُمَرَ وَعُمَرُ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَاكَ فَبِالْأَوْلَى إذَا نُقِلَ عَنْ رَجُلٍ حَدِيثٌ، وَهُوَ لَا يَتَذَكَّرُهُ لَا يَكُونُ مَقْبُولًا.

وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ «عَنْ شَقِيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ الصَّعِيدَ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟» .

(وَهَذَا فَرْعُ خِلَافِهِمَا فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى قَاضٍ أَنَّهُ قَضَى بِهَذَا، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْقَاضِي، وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ يَكُونُ جَرْحًا نَحْوَ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ) وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَا يُمْكِنُ خَفَاءُ مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ عَنْهُمَا، وَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ لَا يَكُونُ جَرْحًا كَمَا لَمْ يَعْمَلْ أَبُو مُوسَى بِحَدِيثِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَادِثِ النَّادِرَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْخَفَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ الطَّعْنُ مُجْمَلًا لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مُفَسَّرًا، فَإِنْ فَسَّرَ بِمَا هُوَ جَرْحٌ شَرْعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالطَّاعِنُ مِنْ أَهْلِ النَّصِيحَةِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَاوَةِ وَالْعَصَبِيَّةِ يَكُونُ جَرْحًا

ــ

[التلويح]

مِنْهُمَا وَضَبْطُهُ يَقِينٌ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ عُمَرُ) ،، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى رَجُلًا فَلَحِقَ بِالرُّومِ مُرْتَدًّا فَحَلَفَ، وَاَللَّهِ لَا أَنْفِي أَبَدًا أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ سِيَاسَةً إذْ لَوْ كَانَ حَدًّا لَمَا حَلَفَ إذْ الْحَدُّ لَا يُتْرَكُ بِالِارْتِدَادِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ لَا قَطْعَ بِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بِذَلِكَ، وَالْإِنْصَافُ أَنَّ قِصَّةَ أَعْرَابِيٍّ وَقَعَ فِي كُوَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَهْقَهَتْ الْأَصْحَابُ فِي الصَّلَاةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ، وَأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لَيْسَتْ أَخْفَى مِنْ حَدِيثٍ فِي تَغْرِيبِ الْعَامِ فِي زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الطَّعْنُ مُجْمَلًا) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مُنْكَرٌ أَوْ مَجْرُوحٌ أَوْ رَاوِيهِ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ أَوْ غَيْرُ الْعَدْلِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَصْلٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ وَالدِّينِ لَا سِيَّمَا الصَّدْرُ الْأَوَّلُ، فَلَا يُتْرَكُ بِالْجَرْحِ الْمُبْهَمِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ الْجَارِحُ مَا لَيْسَ تَجْرِيحًا، وَقِيلَ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْجَارِحِ الصِّدْقُ، وَالْبَصَارَةُ بِأَسْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>