للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَرَدْت تَحْقِيقًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْرِيفَاتِ فَإِنَّ إتْمَامَ الْجَوَابِ مَوْقُوفٌ عَلَى هَذَا فَقُلْت (وَلَيْسَ هَذَا تَعْرِيفُ مَاهِيَّةِ الْكِتَابِ) .

ــ

[التلويح]

سُورَةِ الرَّحْمَنِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ كُرِّرَتْ لِلْفَصْلِ وَالتَّبَرُّكِ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ شَيْءٍ مِنْ السُّوَرِ وَجَازَ تَكْرِيرُهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ لِذَلِكَ وَنُقِلَتْ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ أَخَذَ يُلْحِقُ بِالْمُصْحَفِ آيَاتٍ مُكَرَّرَةً مِثْلَ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَإِنَّهُ يُعَدُّ زِنْدِيقًا أَوْ مَجْنُونًا فَعَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِغَرَضِ الْأُصُولِيِّ يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا نُقِلَ إلَيْنَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمَصَاحِفِ هُوَ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ إلَّا أَنَّهُ إنْ أُبْقِيَ عَلَى عُمُومِهِ يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْحَرْفُ أَوْ الْكَلِمَةُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا يُسَمَّى قُرْآنًا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَإِنْ خُصَّ بِالْكَلَامِ التَّامِّ خَرَجَ بَعْضُ مَا لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ مَعَ أَنَّهُ يُسَمَّى قُرْآنًا وَيَحْرُمُ مَسُّهُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَتِلَاوَتُهُ عَلَى الْجُنُبِ وَعَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُرَادُ بِمَا نُقِلَ مَجْمُوعُ مَا نُقِلَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْمَجْمُوعِ الشَّخْصِيِّ لَا لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ غَرَضَ الْأُصُولِيِّ، فَإِنْ قِيلَ فَالْكِتَابُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي هَلْ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِالْقُرْآنِ قُلْنَا نَعَمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ أَيْضًا حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ قُلْنَا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ كَمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْبَعْضِ خَاصَّةً كَمَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ خَاصَّةً حَتَّى يَكُونَ حَمْلُهُ عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْبَعْضِ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ تَارَةً لِلْكُلِّ خَاصَّةً وَتَارَةً لِمَا يَعُمُّ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ أَعْنِي الْكَلَامَ الْمَنْقُولَ فِي الْمُصْحَفِ تَوَاتُرًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ وَالْبَعْضِ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ فِي شَيْءٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنَّ إتْمَامَ الْجَوَابِ مَوْقُوفٌ عَلَى هَذَا) يَعْنِي أَنَّ جَعْلَ التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ تَفْسِيرًا لِلَفْظِ الْكِتَابِ أَوْ الْقُرْآنِ وَتَمْيِيزًا لَهُ عَنْ سَائِرِ الْكُتُبِ أَوْ الْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ يَجُوزُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُصْحَفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْعُرْفِ أَوْ الْإِشَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَإِنْ جُعِلَ تَعْرِيفًا لِمَاهِيَّةِ الْكِتَابِ أَوْ الْقُرْآنِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَاهِيَّةِ الْمُصْحَفِ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لَا يُقَالُ فَالدَّوْرُ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا جَعَلَ تَعْرِيفًا لِمَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ دُونَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَاهِيَّةُ الْكِتَابِ هِيَ بِعَيْنِهَا مَاهِيَّةُ الْقُرْآنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَتَوَقَّفَ الْمُصْحَفُ عَلَى مَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ تَوَقُّفَهُ عَلَى مَاهِيَّةِ الْكِتَابِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُصْحَفِ بِمَا جُمِعَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ لَا يَدْفَعُ الدَّوْرَ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ الْكِتَابِ وَالْقُرْآنِ فَالْمُصْحَفُ صُرِّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْرِيفًا

<<  <  ج: ص:  >  >>