الْكَلَامِ ثَبَتَ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ فِي الْحُكْمِ فَفِي الِاسْتِثْنَاءِ أَوْلَى، وَصَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ فِي الْجُمَلِ الْمُخْتَلِفَةِ كَآيَةِ الْقَذْفِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا - وَلا تَقْبَلُوا} [النور: ٢ - ٤] رَدًّا عَلَى سَبِيلِ الْجَزَاءِ بِلَفْظِ الْإِنْشَاءِ ثُمَّ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] (جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ) أَيْ: صَرَفَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْكُلِّ فَفِي آيَةِ الْقَذْفِ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْله تَعَالَى، وَلَا تَقْبَلُوا عَنْ قَوْلِهِ: فَاجْلِدُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَجْعَلْ رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَجَعَلَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا تَقْبَلُوا ثُمَّ
ــ
[التلويح]
الِاسْتِثْنَاءِ أَجَابَ بِأَنَّ الْعَطْفَ لَا يُفِيدُ شَرِكَةَ الْجُمَلِ التَّامَّةِ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْعَاطِفِ لِلتَّشْرِيكِ فِي الْإِعْرَابِ، وَالْحُكْمِ فَلَأَنْ لَا يُفِيدَ التَّشْرِيكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ تَغْيِيرٌ لِكَلَامٍ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَصَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ) تَنَزُّلٌ بَعْدَ إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ إلَى صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ وَقَعَ فِيهَا النِّزَاعُ وَكَثُرَ فِيهَا الْكَلَامُ، وَهِيَ آيَةُ الْقَذْفِ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى جُمَلٍ ثَلَاثٍ هِيَ فَاجْلِدُوا، وَلَا تَقْبَلُوا {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] وَاسْتُدِلَّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَحْكَامِ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ جُمْلَةَ، وَلَا تَقْبَلُوا مُنْقَطِعَةً عَنْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوا مَعَ أَنَّ كَوْنَهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَجَعَلَ جُمْلَةَ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ، وَلَا تَقْبَلُوا مَعَ أَنَّهَا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ إخْبَارِيَّةٌ ظَاهِرُهَا الِاسْتِئْنَافُ بَيَانًا لِحَالِ الْقَاذِفِينَ وَجَرِيمَتِهِمْ غَيْرُ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ جَزَاءً لِلْقَذْفِ وَتَتْمِيمًا لِلْحَدِّ، وَلَا تَقْبَلُوا فِعْلِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ مَسُوقَةٌ جَزَاءً لِلْقَذْفِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْفِسْقِ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْجَلْدَ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَخِيرَتَيْنِ، وَقَطَعَ، وَلَا تَقْبَلُوا عَنْ فَاجْلِدُوا إذْ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَيْهِ لَسَقَطَ الْجَلْدُ عَنْ التَّائِبِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ مِنْ صَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ، وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ لَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْبَلُوا عَطْفٌ عَلَى فَاجْلِدُوا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِعْلٌ يَلْزَمُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ لَا حُرْمَةُ فِعْلٍ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْجَلْدُ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَصَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَظُهُورِ الْمَانِعِ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الَّذِينَ تَابُوا، وَأَصْلَحُوا وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِصْلَاحِ الِاسْتِحْلَالُ وَطَلَبُ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ، وَعِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجَلْدُ أَيْضًا فَيَصِحُّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ) مُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ وَاقِعَةٍ مَوْقِعَ الْجَزَاءِ بَلْ هِيَ إزَالَةٌ لِمَا عَسَى أَنْ يُسْتَبْعَدَ مِنْ صَيْرُورَةِ الْقَذْفِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّ الْقَذْفَ خَبَرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute