للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْكُورِ إلَى أَنْ نَقُولَ: إنَّ الْبَقَاءَ بِالِاسْتِصْحَابِ (وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَهُوَ كَالْإِحْيَاءِ ثُمَّ الْإِمَاتَةُ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ حُسْنُ الشَّيْءِ، وَقُبْحُهُ فِي زَمَانَيْنِ) .

(وَأَمَّا مَحَلُّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ إمَّا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ النَّسْخَ فِي نَفْسِهِ كَالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ) مِثْلَ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَأَمْثَالِهَا (وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا) كَالْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ وَالْإِخْبَارَاتِ عَنْ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ أَوْ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ نَحْوَ {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} [الحجر: ٣٠] .

(وَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ هَذَا إمَّا إنْ لَحِقَهُ تَأْبِيدٌ نَصًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} [آل عمران: ٥٥] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَوْ دَلَالَةً كَالشَّرَائِعِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهَا مُؤَبَّدَةٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ أَوْ تَوْقِيتٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَأْبِيدٌ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا إنْ لَحِقَهُ تَأْبِيدٌ.

(فَإِنَّ النَّسْخَ قَبْلَ تَمَامِ الْوَقْتِ بَدَاءٌ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا عَنْهُمَا) أَيْ: عِنْدَ التَّأْبِيدِ وَالتَّوْقِيتِ.

(فَاَلَّذِي يَجْرِي فِيهِ النَّسْخُ هَذَا فَقَطْ، وَأَمَّا شَرْطُهُ فَالتَّمَكُّنُ مِنْ الِاعْتِقَادِ كَافٍ لَا حَاجَةَ إلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْفِعْلُ فَقَبْلَ حُصُولِهِ يَكُونُ بَدْءًا، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرَ

ــ

[التلويح]

اسْتِمْرَارِهِ مُنَاقِضًا لَهُ، وَذَلِكَ كَمَا تَقُولُ: صُمْ كُلَّ رَمَضَانَ.

فَإِنَّ جَمِيعَ الرَّمَضَانَاتِ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْخِطَابِ، وَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ الْوُجُوبُ قَطْعًا وَلَمْ يَكُنْ نَفْيًا؛ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِشَيْءٍ مِنْ الرَّمَضَانَاتِ وَتَنَاوُلِ الْخِطَابَاتِ لَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الْوَاجِبِ غَيْرَ زَمَانِ الْوُجُوبِ فَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْأَوَّلُ بِالْأَبَدِ دُونَ الثَّانِي فَإِنْ قُلْتَ قَوْله تَعَالَى {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} [آل عمران: ٥٥] مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. قُلْتَ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حُكْمُ وُجُوبِ تَقَدُّمِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ فِي بَابِ الشَّرَفِ، وَالْكَرَامَةِ كَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا.

(قَوْلُهُ: فَذَبْحُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ ثُمَّ نُسِخَ بِوُرُودِ الْفِدَاءِ بِذَبْحِ الشَّاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] ، وَالْفِدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهَا.

وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ مَأْمُورًا بِهِ لَامْتَنَعَ شَرْعًا وَعَادَةً اشْتِغَالُهُ بِذَلِكَ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى التَّرْوِيعِ، وَإِمْرَارُهُ الْمُدْيَةَ عَلَى حَلْقِ الْوَلَدِ وَتَلُّهُ لِلْجَبِينِ.

وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْسَخْ لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً فَإِنْ قِيلَ قَدْ وُجِدَ الذَّبْحُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ذَبَحَ وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَيْئًا يَلْتَحِمُ عَقِيبَ الْقَطْعِ قُلْنَا هَذَا خِلَافُ الْعَادَةِ، وَالظَّاهِرِ وَلَمْ يُنْقَلْ نَقْلًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْفِدَاءِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ قِبَلِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ كَمَا فِي نَسْخِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِمَانِعٍ مِنْ الْخَارِجِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ فَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ

<<  <  ج: ص:  >  >>