للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُصَدِّقُهُ فَالتَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى، وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا) أَيْ: عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ (بِأَنَّهُ نُسِخَ قَوْله تَعَالَى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] أَوَّلُ الْآيَةِ قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٨٠] (بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣١] الْآيَةَ) أَوَّلُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] نُسِخَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ (أَيْ: مَا مَرَّ مِنْ الِاحْتِجَاجَيْنِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فَاسِدٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى فَسَادِ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ إذْ

ــ

[التلويح]

فَأَكْرَمْتُهُ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الثَّابِتَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وُجُوبُ حَقٍّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ حَقٍّ آخَرَ بِطَرِيقٍ آخَرَ، فَلَا رَافِعَ لِلْوَصِيَّةِ إلَّا السُّنَّةُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْمَنْفِيَّ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ إنَّمَا هُوَ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ لَا جَوَازُهَا، وَالْجَوَازُ إنَّمَا انْتَفَى بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ضَرُورَةَ نَفْيِ أَصْلِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهَا لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ إبَاحَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالثَّابِتُ بِالْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ الْوُجُوبُ الْمُرْتَفِعُ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ هَذَا مِمَّا يُتْلَى فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: ١٥] قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ فَهَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ، وَقَوْلُهُ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [النساء: ١٥] بِالْعَكْسِ وَمَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا مَتْلُوًّا مَكْتُوبًا فِي الْمَصَاحِفِ لَكِنَّهُ يُجْعَلُ مِنْ قِسْمِ الْكِتَابِ لَا السُّنَّةِ، وَلِذَا قَالَ عُمَرُ لَوْلَا أَنَّنِي أَخْشَى أَنْ يُقَالَ زَادَ عُمَرُ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَأَلْحَقْت الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إلَخْ بِالْمُصْحَفِ.

(قَوْلُهُ: فَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ) مُتَيَقَّنٌ فِيهِ بَحْثٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ سِوَى أَنَّهُ غَيْرُ مَتْلُوٍّ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ كَالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ آيَةَ التَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ قِيلَ التَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] قُلْنَا قَدْ ظَهَرَ انْتِسَاخُهُ بِالسُّنَّةِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَوَجَّهُ بِمَكَّةَ إلَى الْكَعْبَةِ.

(قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ) فِيهِ بَحْثٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ الرَّاوِي مِنْ غَيْرِ نَقْلِ حَدِيثٍ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا " حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ " ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ بِالْكِتَابِ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>