وَالتَّعَدِّي.
(فَيَدُلُّ عَلَى الِاتِّعَاظِ عِبَارَةً وَعَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً) ؛ لِأَنَّ الِاتِّعَاظَ يَكُونُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لَهُ، وَالْقِيَاسَ يَكُونُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سِيَاقُ الْكَلَامِ لَهُ. (سَلَّمْنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ هُوَ الِاتِّعَاظُ لَكِنْ يَثْبُتُ الْقِيَاسُ دَلَالَةً) أَيْ: مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِبَارِ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ فَالْآنَ نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِبَارِ الِاتِّعَاظُ، وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْقِيَاسِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ الَّتِي تُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ.
(وَطَرِيقُهَا) أَيْ: طَرِيقُ دَلَالَةِ النَّصِّ فِي هَذِهِ أَنَّ الصُّورَةَ (فِي النَّصِّ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَلَاكُ قَوْمٍ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ اغْتِرَارُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ لِيَكُفّ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ) ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحُكْمِهِ، فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ دَلَالَةَ نَصٍّ لَا قِيَاسًا حَتَّى لَا يَكُونَ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَشْرِ {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]
ــ
[التلويح]
الْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْجَوَازُ لَزِمَهُ الْمَصِيرُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ مُبَاحٌ إلَّا أَنَّ رِعَايَةَ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَاجِبَةٌ كَمَا أَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ جَائِزٌ وَالْقَبْضَ فِيهِ وَاجِبٌ.
فَإِنْ قُلْت مَعْنَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْإِيجَابِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ وَاجِبٌ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا وُجُوبَ لِبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِوَصْفِ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَا لِأَخْذِ الرَّهْنِ بِوَصْفِ الْقَبْضِ قُلْتُ مُرَادُهُ أَنَّ الْأَمْرَ مُنْصَرِفٌ إلَى رِعَايَةِ الْوَصْفِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ كَأَنْ قِيلَ: إذَا بِعْتُمْ الْحِنْطَةَ فَرَاعُوا الْمُمَاثَلَةَ، وَإِذَا أَخَذْتُمْ الرَّهْنَ فَاقْبِضُوا.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا حَدِيثُ مُعَاذٍ) فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ يَثْبُتُ بِهِ الْأُصُولُ فَإِنْ قُلْت الِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ الدَّلَالَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ الْقِيَاسِ الْمَنْصُوصِ الْعِلَّةِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قُلْتُ الِاسْتِنْبَاطُ بِالنُّصُوصِ مِمَّا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَذَا الْبَرَاءَةُ أَصْلِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِيَاجِهَا لِلِاجْتِهَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ.
فَبَقِيَ الْقِيَاسُ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ لَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ لِبَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي تُبْتَنَى عَلَى قِيَاسٍ غَيْرِ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ وَجَوَازُ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ اجْتِهَادِهِ فَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ رَوَيْنَا) فِي آخِرِ بَابِ السُّنَّةِ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِالْقِيَاسِ وَهِيَ، وَإِنْ كَانَتْ أَخْبَارُ آحَادٍ إلَّا أَنَّ جُمْلَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute