أَيْ: الْعُدُولُ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِأَنْ لَا يُدْرِكَ الْعَقْلُ حُكْمَ الْأَصْلِ أَيْ: لَا يُدْرِكَ عِلَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَات أَوْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ أَيْ: عَلَى طَرِيقَتِهِ الْمَسْلُوكَةِ، وَقَاعِدَتِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَأَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ تَحَقُّقُ الْفِطْرِ مِنْ كُلِّ مَا دَخَلَ فِي الْجَوْفِ، وَإِذَا كَانَ مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِهِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْأَكْلِ خَطَأً عَلَى الْأَكْلِ نَاسِيًا (وَكَتَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ) فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: التَّقَوُّمَ (يَعْتَمِدُ الْإِحْرَازَ، وَالْإِحْرَازُ يَعْتَمِدُ الْبَقَاءَ وَلَا بَقَاءَ لِلْأَعْرَاضِ) .
وَإِنْ مُنِعَ اسْتِحَالَةُ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ فَمِثْلُ هَذِهِ الْأَعْرَاضِ أَيْ: الْمَنَافِعِ لَا شَكَّ فِي اسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَقَوُّمِ كُلِّ مَا لَا يَبْقَى فَإِذَا كَانَ تَقَوُّمُهَا مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ تَقَوُّمُ الْمَنَافِعِ فِي الْغَصْبِ عَلَى تَقَوُّمِهَا فِي الْإِجَارَةِ.
(وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدَّى حُكْمًا شَرْعِيًّا) هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ هَذِهِ (ثَابِتًا بِأَحَدِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ إلَى فَرْعٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالْمُعَدَّى (هُوَ نَظِيرُهُ) أَيْ: الْفَرْعُ يَكُونُ نَظِيرًا لِلْأَصْلِ فِي الْحُكْم (وَلَا نَصَّ فِيهِ) أَيْ: فِي الْفَرْعِ وَالْمُرَادُ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى الْحُكْمِ الْمُعَدَّى أَوْ عَدَمِهِ لَا مُطْلَقُ النَّصِّ (فَلَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ) هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا
ــ
[التلويح]
لَا غَيْرُ، وَبِأَنَّ الْعُمْدَةَ فِي حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ هُوَ الْإِجْمَاعُ وَلَا إجْمَاعَ هَاهُنَا وَيَرُدُّ عَلَى الْمُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ.
وَجَوَابُهُ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ رِعَايَةَ الْمَعْنَى سَبَبٌ لِلْإِطْلَاقِ بَلْ هِيَ سَبَبٌ لِلْوَضْعِ وَتَرْجِيحُ الِاسْمِ عَلَى الْغَيْرِ عَلَى مَا سَبَقَ وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ مَجَازًا عِنْدَ وُجُودِ الْعَلَاقَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فِي الْعَتَاقِ وَبِالْعَكْسِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى اللَّائِطِ قِيَاسًا عَلَى الزَّانِي فَإِنَّمَا هُوَ بِقِيَاسٍ فِي الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ، أَوْ هُوَ قَوْلٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَكَذَا إيجَابُ الْحَدِّ بِغَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ قَوْلٌ بِجَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُطْلَقِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ السَّمَاءِ عَلَى الْبَيْتِ فِي الْحُدُوثِ بِجَامِعِ التَّأْلِيفِ وَقِيَاسَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَغْذِيَةِ عَلَى الْعَسَلِ فِي الْحَرَارَةِ بِجَامِعِ الْحَلَاوَةِ.
وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَتْ بِأَقْيِسَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِتَفْرِيعِ عَدَمِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُ حُكْمِ الْأَصْلِ حُكْمًا شَرْعِيًّا إذْ لَوْ كَانَ حِسِّيًّا أَوْ لُغَوِيًّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute