للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً فَيَجُوزُ عِلِّيَّتُهَا اتِّفَاقًا (لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ) سَوَاءٌ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى أَوْ لَا (وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِلِاعْتِبَارِ إذْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ بَيَانُ عِلِّيَّةِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالُوا أَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي هَذَا) أَيْ: فِي الِاعْتِبَارِ.

(وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ أَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ الْفَائِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ لَيْسَتْ إلَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ، فَإِنْ قِيلَ التَّعْدِيَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ فَتَوَقُّفُهُ عَلَيْهَا دَوْرٌ. قُلْنَا: يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ بِأَنَّ الْوَصْفَ حَاصِلٌ فِي الْغَيْرِ) أَيْ: التَّعْلِيلُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعْدِيَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ التَّعْلِيلُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ النَّصِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ قَدْ تَحَيَّرُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتَبْعَدُوا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهَا تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ الْحَقَّ أَنْ يَتَفَكَّرُوا أَوَّلًا فِي اسْتِنْبَاطِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مَا هِيَ فَإِذَا حَصَلَ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْعِلَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً مِنْ الْأَصْلِ أَيْ: حَاصِلَةً فِي غَيْرِ صُورَةِ الْأَصْلِ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ، وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، أَوْ مَوْرِدِ الْإِجْمَاعِ فَيَقْتَصِرُ الْحُكْمُ.

أَمَّا تَوَقُّفُ التَّعْلِيلِ عَلَى التَّعْدِيَةِ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ حَاصِلَةٌ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، فَأَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْإِخَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى التَّأْثِيرِ اعْتَبَرَ

ــ

[التلويح]

فِي شَرْعِيَّتِهَا.

وَإِنْ أُرِيدَ الْمَسْأَلَةُ الْفِقْهِيَّةُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَكُونُ إلَّا لِأَجْلِهَا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ أُخْرَى مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرْعِ فَلَا يَلْزَمُ الْعَبَثُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ عِلْمًا أَوْ عَمَلًا، وَالتَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا الْعَمَلُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى الْحِكْمَةِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ التَّعَلُّلُ الْمُفِيدُ لِلظَّنِّ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ لَيْسَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَيُفِيدُ الظَّنَّ بِالْحِكْمَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ وَهُوَ يُوجِبُ سُرْعَةَ الْإِذْعَانِ وَشِدَّةَ الِاطْمِئْنَانِ، وَأَيْضًا مَنْقُوضٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْمَنْصُوصَةِ بِنَصٍّ ظَنِّيٍّ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْغَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الْجَزْمِ بِذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ الظَّنِّ فَبَعْدَمَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْقَاصِرُ، وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ الظَّنِّ ذَهَابًا إلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ عَلَى مَا زَعَمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ رُجْحَانِ ذَلِكَ أَوْ عِنْدَ تَعَارُضِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّي.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ) تَقْرِيرُ السُّؤَالِ لَوْ كَانَتْ صِحَّةُ التَّعْلِيلِ مَوْقُوفَةً عَلَى تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ لَمْ تَكُنْ تَعْدِيَتُهَا مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّتِهَا لِامْتِنَاعِ الدَّوْرِ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَوَقُّفِ التَّعْدِيَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى صِحَّتِهَا وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى التَّعْلِيلِ هُوَ التَّعْدِيَةُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ حُكْمٍ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، وَالتَّعْلِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>