بِبَدَلِ الْكِتَابِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ سَيِّدِهِ (فَنَقُولُ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ لَا كَوْنُهُ عَبْدًا. مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِوَصْفٍ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ كَقَوْلِهِ مُكَاتَبٌ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ كَمَا إذَا أَدَّى بَعْضَ الْبَدَلِ فَنَقُولُ أَدَاءُ بَعْضِ الْبَدَلِ عِوَضٌ مَانِعٌ) .
(الثَّالِثُ: تُعْرَفُ الْعِلَّةُ بِأُمُورٍ أَوَّلُهَا النَّصُّ إمَّا صَرِيحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: ٧] يُقَالُ صَارَ الْفَيْءُ دُولَةً بَيْنَهُمْ يَتَدَاوَلُونَهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرَّةً لِهَذَا وَمَرَّةً لِذَلِكَ
(وقَوْله تَعَالَى {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وقَوْله تَعَالَى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: ١٥٩] وَغَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْلِيلِ أَوْ إيمَاءً بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِالْفَاءِ فِي أَيِّهِمَا كَانَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ) لِأَنَّ الْفَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِلتَّعْلِيلِ فَصَارَ كَاللَّامِ فَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ يُحْشَرُ
(وَكَذَا فِي لَفْظِ الرَّاوِي نَحْوُ «زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ» أَوْ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُشْتَقِّ نَحْوُ: أَكْرِمْ الْعَالِمَ أَوْ يَقَعُ جَوَابًا نَحْوُ: «وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» أَوْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لَمْ يُفِدْ نَحْوُ: «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ) إذْ كَلِمَةُ إنَّ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ تَكُونُ لِتَعْلِيلِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إنَّ فِي مِثْلِ هَذَا
ــ
[التلويح]
وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي لَفْظِ الرَّاوِي مِثْلَ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ وَهَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفِي الظُّهُورَ، وَأَمَّا الْإِيمَاءُ فَهُوَ أَنْ يُقْرَنُ بِالْحُكْمِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَوْ نَظِيرُهُ التَّعْلِيلَ لَكَانَ بَعِيدًا فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ فَإِنَّ غَرَضَهُ مِنْ ذِكْرِ الْمُوَاقَعَةِ بَيَانُ حُكْمِهَا وَذِكْرُ الْحُكْمِ جَوَابٌ لَهُ لِيَحْصُلَ غَرَضُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فَيَكُونَ السُّؤَالُ مُقَدَّرًا فِي الْجَوَابِ كَأَنَّهُ قَالَ وَاقَعْتَ فَكَفِّرْ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوِقَاعَ عِلَّةٌ لِلْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّ الْفَاءَ لَيْسَتْ مُحَقَّقَةً لِيَكُونَ صَرِيحًا بَلْ مُقَدَّرَةً فَيَكُونُ إيمَاءً مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ قَصْدِ الْجَوَابِ كَمَا يُقَالُ الْعَبْدُ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ السَّيِّدُ اسْقِنِي مَاءً وَكَحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَإِنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَكَرَ نَظِيرَهُ وَهُوَ دَيْنُ الْآدَمِيِّ فَنَبَّهَ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً لِلنَّفْعِ وَإِلَّا لَزِمَ الْعَبَثُ.
وَالْإِيمَاءُ لَهُ أَيْضًا مَرَاتِبُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّهُ يُحْشَرُ مُلَبِّيًا» مِنْ قَبِيلِ التَّصْرِيحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دُونَ الْإِيمَاءِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ إنَّ بِدُونِ الْفَاءِ مِثْلُ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» فَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ أَنَّهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاقِعِ تَقَعُ مَوْقِعَ الْفَاءِ وَتُغْنِي غِنَاءَهَا وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَبِيلِ الْإِيمَاءِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّعْلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute