قُلْتُ هَذَا؛ لِأَنِّي نَقَلْت هَذَا الْفَصْلَ عَنْ أُصُولِ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ أَدْرِ مَا مُرَادُهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَصْلًا فَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلٌ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا أَصْلٌ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِهَذَا الْحُكْمِ وَلَا فَائِدَةَ فِي تَفْصِيلِهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْلُومٌ مِنْ تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ
(وَالْحَقُّ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيَّتَهَا لِمَعْنًى آخَرَ يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ فَكُلُّ شَيْءٍ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يُحْكَمُ بِعَلِيَّتِهِ لَكِنْ لَا يَكُونُ هَذَا إثْبَاتَ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ) فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْلِيلًا بِالْمُرْسَلِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ.
(فَصْلٌ الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ فَالْخَفِيُّ يُسَمَّى بِالِاسْتِحْسَانِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ
ــ
[التلويح]
فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يُورِدَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ بِالتَّعْلِيلِ فِيمَا لَا يُوجَدُ لَهُ أَصْلٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ السَّبَبِ بِالْقِيَاسِ فَأُورِدَ الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ إشْكَالًا فَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُبَيِّنُ سَبَبِيَّةَ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ قِيَاسًا عَلَى سَبَبِيَّةِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ بَلْ نُبَيِّنُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ سَوَاءٌ كَانَ بِالسَّيْفِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَالسَّبَبُ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ حُرْمَةِ الرِّبَا بِالْجِنْسِ فَأَوْرَدَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثَالًا لَا إشْكَالًا فَقَالَ أَمَّا تَفْسِيرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْ بَيَانُ إثْبَاتِ الْمُوجِبِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الْجِنْسِ بِانْفِرَادِهِ إنَّهُ يَحْرُمُ النَّسِيئَةُ، وَهَذَا خِلَافٌ وَقَعَ فِي الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ فَلَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ، وَلَا نَفْيُهُ بِالرَّأْيِ إذْ لَا نَجِدُ أَصْلًا نَقِيسُهُ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِيهِ بِالنَّصِّ عِبَارَةً أَوْ إشَارَةً أَوْ دَلَالَةً أَوْ اقْتِضَاءً وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ حُرْمَةُ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ وَوَجَدْنَا حُرْمَةَ الرِّبَا حُكْمًا يَسْتَوِي فِيهِ شُبْهَتُهُ بِحَقِيقَتِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ الْبَيْعِ مُجَازَفَةً كَبَيْعِ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةٍ بِاعْتِبَارِ تَسَاوِيهِمَا فِي رَأْيِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَوَجَدْنَا فِي النَّسِيئَةِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ وَهِيَ الْحُلُولُ إذْ النَّقْدُ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فَضْلًا مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ لَكِنَّهُ ثَبَتَ بِصُنْعِ الْعَبْدِ فَاعْتُبِرَ كَمَا فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْفَضْلِ مِنْ جِهَةِ الْجَوْدَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِصُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَعَلَ عَفْوَ التَّعَذُّرِ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْقَدْرَ وَالْجِنْسَ أَخَذَ الْجِنْسَ شُبْهَةَ الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَطْرُ الْعِلَّةِ فَأَثْبَتْنَا بِهِ شُبْهَةَ الرِّبَا احْتِيَاطًا فَيَثْبُتُ سَبَبِيَّةُ الْجِنْسِ لِحُرْمَةِ النَّسِيئَةِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ الْمُوجِبِ لِسَبَبِيَّةِ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ لِحُرْمَةِ حَقِيقَةِ الْقَدْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْحَقُّ) فِي مَسْأَلَةِ إثْبَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute