للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّجُودَ غَيْرُ مَقْصُودٍ هُنَا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مَا يَصْلُحُ تَوَاضُعًا مُخَالَفَةً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) . وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَوْنَ السُّجُودِ يُؤَدَّى بِالرُّكُوعِ حُكْمًا ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَعَدَمَهُ حُكْمًا ثَابِتًا بِالِاسْتِحْسَانِ وَلَا أَدْرِي خُصُوصِيَّةَ الْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ وَالثَّانِي بِالِاسْتِحْسَانِ فَلِهَذَا أَوْرَدْتُ مِثَالًا آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ

(وَكَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ذِرَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَفِي الْقِيَاسِ يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَيُوجِبُ التَّحَالُفَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ بَلْ فِي وَصْفِهِ وَذَا لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ لَكِنْ عَمِلْنَا بِالصِّحَّةِ الْبَاطِنَةِ لِلْقِيَاسِ وَهِيَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْوَصْفِ هُنَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَصْلِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي ذِرَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَفِي الْقِيَاسِ يَتَحَالَفَانِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَيُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا فِي الْمَبِيعِ. فَهَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ يَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ ثُمَّ إذَا نَظَرْنَا عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ بَلْ فِي وَصْفِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الذِّرَاعِ، وَالذِّرَاعُ وَصْفٌ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الذِّرَاعِ تُوجِبُ جَوْدَةً فِي الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِذَا كَانَ الذِّرَاعُ وَصْفًا وَالِاخْتِلَافُ فِي الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ فَهَذَا الْمَعْنَى أَخْفَى مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ هَذَا اسْتِحْسَانًا وَالْأَوَّلُ قِيَاسًا هَذَا مَا ذَكَرُوهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى انْحِصَارِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي هَذَيْنِ

ــ

[التلويح]

يَقْتَضِي طَهَارَةَ سُؤْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِالْمِنْقَارِ عَلَى سَبِيلِ الْأَخْذِ ثُمَّ الِابْتِلَاعِ وَالْمِنْقَارُ عَظْمٌ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ جَافٌّ لَا رُطُوبَةَ فِيهِ فَلَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ فَيَكُونُ سُؤْرُهُ طَاهِرًا كَسُؤْرِ الْآدَمِيِّ وَالْمَأْكُولِ لِانْعِدَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّجَاسَةِ وَهِيَ الرُّطُوبَةُ النَّجِسَةُ فِي الْآلَةِ الشَّارِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا أَنَّ سِبَاعَ الطُّيُورِ لَا تَحْتَرِزُ عَنْ الْمَيْتَةِ وَالنَّجَاسَةِ كَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ.

(قَوْلُهُ وَالثَّانِي) لَمَّا كَانَ عَدَمُ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْإِتْيَانِ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْرًا جَلِيًّا وَعَكْسُهُ أَمْرًا خَفِيًّا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جِهَةُ جَعْلِ تَأَدِّي السَّجْدَةِ بِالرُّكُوعِ قِيَاسًا وَعَدَمِ تَأْدِيهَا بِهِ اسْتِحْسَانًا وَنُقِلَ عَنْهُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جَازَ إقَامَةُ الرُّكُوعِ مَقَامَ السَّجْدَةِ ذِكْرًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ أَعْنِي اشْتِمَالَهَا عَلَى التَّعْظِيمِ وَالِانْحِنَاءِ فَجَازَ إقَامَتُهُ مَقَامَهُ فِعْلًا لِتِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ وَهَذَا أَمْرٌ جَلِيٌّ تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ فَيَكُونُ قِيَاسًا إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِهِ كَالسَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ لَا تَتَأَدَّى بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُسْنَهُ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا لِعَيْنِهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِغَيْرِهِ وَهَذَا قِيَاسٌ خَفِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ اسْتِحْسَانًا، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ بِغَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَظْهَرُ وَأَجْلَى مِنْ تَأَدِّيهِ بِهِ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ إقَامَةِ اسْمِ الشَّيْءِ مَقَامَ اسْمِ غَيْرِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالُ لَمَّا اشْتَمَلَ كُلٌّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى التَّعْظِيمِ كَانَ الْقِيَاسُ فِيمَا وَجَبَ بِالتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَتَأَدَّى بِالرُّكُوعِ كَمَا يَتَأَدَّى بِالسُّجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>