مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهُ شَرْعًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَمَا ثَبَتَ فَسَادُ وَضْعِهِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ شَرْعًا وَسَيَأْتِي مِثَالُهُ وَمِنْهُ عَدَمُ الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ وَهَذَا لَا يُقْدَحُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَمِنْهُ الْفَرْقُ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلِّلِ وَهَذَا نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ وَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكِ لَا يَضُرُّهُ الْفَارِقُ لَكِنْ إذَا أَثْبُتَ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا يَضُرُّهُ وَكُلُّ كَلَامٍ صَحِيحٍ فِي الْأَصْلِ إذَا أُورِدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ لَا يُقْبَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ حَتَّى يُقْبَلَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إعْتَاقُ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ) هَذَا تَعْلِيمٌ يَنْفَعُ فِي الْمُنَاظَرَاتِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحًا أَيْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مَنَعَا لِلْعِلَّةِ
ــ
[التلويح]
أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَسَادُ الْوَضْعِ كَمَا يُقَالُ التَّيَمُّمُ مَسْحٌ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْمَسْحِ فِي كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا إنَّمَا يُسْمَعُ قَبْلَ ثُبُوتِ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ فِي الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ عَدَمُ الِانْعِكَاسِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ، وَلَا تُوجَدُ الْعِلَّةُ وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ شَتَّى كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ نَوْعَ الْحَرَارَةِ يَحْصُلُ بِالنَّارِ وَالشَّمْسِ وَالْحَرَكَةِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُحْتَاجًا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِلَّةٌ وَمُسْتَغْنًى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْآخَرَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَى تَأْثِيرِهَا الْإِيجَادَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا حَصَلَ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرُّعَافُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَصَلَ حَدَثُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْفَرْقُ) وَهُوَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ لَهُ مُدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونَ حَاصِلُهُ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَادِّعَاءَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَصْفُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ مَنْصِبَ الْمُعَلَّلِ إذْ السَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُعَلَّلَ بَعْدَمَا أُثْبِتَ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ عِلَّةَ لُزُومِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِيهِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْفَارِقُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُثْبِتُ فِي الْأَصْلِ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْدِيَةِ نَعَمْ لَوْ أُثْبِتَ الْفَارِقُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَانَ قَادِحًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute