للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُطَهِّرَةٌ فَلَا يُقَاسُ فِي الْحَدَثِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ مُرَادَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْقُولٍ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِهِ، وَمُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِكَوْنِهِ مَعْقُولًا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَدْ وُجِدَ وَأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ حَكَمَ بِهَذَا الْحُكْمِ يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ كَوْنُ الْحُكْمِ مَعْقُولًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَانْدَفَعَ عَنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ

ــ

[التلويح]

بِزَوَالِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعَبُّدٍ مَحْضٍ لَا يَقِفُ الْعَقْلُ عَنْ سَبَبِهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِدَرْكِ شَيْءٍ، وَبَيْنَ إدْرَاكِهِ إيَّاهُ بِمَعُونَةِ الشَّرْعِ وَبَعْدَ وُرُودِهِ، وَأَمَّا حَلُّ الْإِشْكَالَيْنِ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ هُوَ الْمَعْقُولِيَّةُ بِمَعْنَى أَنْ يُدْرِكَ الْعَقْلُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ أَوْ يَتَوَقَّفَ عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ وَهَذَا حَاصِلٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَيَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَفِي الثَّانِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي رَفْعِ الْخَبَثِ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَالِعَةٌ مُزِيلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ لَا يُتَصَوَّرُ قَلْعُهُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُطَهِّرَةٌ لِلْمَحَلِّ أَيْ مُغَيِّرَةٌ لَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي تَطْهِيرِ الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ مُطَهِّرًا عَنْ الْحَدَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ إذْ لَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ لِتُزَالَ، وَإِذْ لَا إزَالَةَ حَقِيقَةً وَعَقْلًا فَلَا تَعْدِيَةَ إلَى سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ فَإِنَّ إزَالَتَهُ بِالْمَاءِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَيَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْمَائِعَاتِ بِجَامِعِ الْقَلْعِ وَالْإِزَالَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَإِزَالَتَهَا بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى النِّيَّةِ لَا يُقَالُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ مَعْقُولٌ فِي الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْخَبَثِ هِيَ الْقَلْعُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ وَفِي الْحَدَثِ هِيَ التَّطْهِيرُ لَا الْقَلْعُ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّطْهِيرُ وَهُوَ الْحُكْمُ لَا الْعِلَّةُ تَطْهِيرُ الْحَدَثِ إنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ كَوْنُ الْمَاءِ مُزِيلًا يَلْزَمُ صِحَّةُ قِيَاسِ الْمَائِعَاتِ الْأُخَرِ كَمَا فِي الْخُبْثِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا غَيْرَهُ يَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ حَتَّى يُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْمَائِعَاتِ أَمْ لَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا يَلْزَمُ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، ثُمَّ هَاهُنَا نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَوْرَدَ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>