عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ.
فَلَمَّا أَنْكَرَهُ الْخَصْمُ احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِهِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى انْتِقَالًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَشْتَغِلَ بِآخَرَ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا أُطَلِّقَ الِانْتِقَالُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْكَلَامَ وَاشْتَغَلَ بِكَلَامٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ هُوَ دَلِيلًا عَلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ
(وَكَذَا الثَّانِي عِنْدَ الْبَعْضِ كَقِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: ٢٥٨] وَلِأَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فَلَا يُبَالِي بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى يُعَدُّ انْقِطَاعًا
ــ
[التلويح]
فَقَطْ إنْ كَانَ إلَى حُكْمٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ فَهُوَ حَشْوٌ فِي الْقِيَاسِ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتُهُ بِعِلَّةِ الْقِيَاسِ وَإِلَّا لَكَانَ انْتِقَالًا فِي الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَالِانْتِقَالُ فِي الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ وَإِلَّا لَكَانَ حَشْوًا فِي الْقِيَاسِ فَصَارَتْ أَقْسَامُ الِانْتِقَالَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُنَاظَرَةِ أَرْبَعَةً: الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ عِلَّةِ الْقِيَاسِ الثَّانِي الِانْتِقَالُ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثَّالِثُ الِانْتِقَالُ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ الرَّابِعُ الِانْتِقَالُ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ بِأَنْ يَثْبُتَ بِعِلَّةِ الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ يُعَدُّ انْقِطَاعًا فِي عُرْفِ النُّظَّارِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ أَهْلِ الْمُنَاظَرَةِ وَآدَابِهِمْ فِي الْبَحْثِ كَيْ لَا يَطُولَ الْكَلَامُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ وَإِلَّا فَالِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِمَنْزِلَةِ انْتِقَالٍ مِنْ بَيِّنَةٍ إلَى بَيِّنَةٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُقُوقِ النَّاسِ وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ إظْهَارُ الصَّوَابِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الِانْتِقَالَ لَطَالَتْ الْمُنَاظَرَةُ بِانْتِقَالِ الْمُعَلِّلِ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ الصَّوَابُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ إظْهَارَ الصَّوَابِ لَزِمَ جَوَازُ الِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ الْحَقِّ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّلِ الِانْتِقَالُ مِنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ لَا إلَى نِهَايَةٍ نَعَمْ لَوْ انْتَقَلَ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ إلَى مَا لَا يُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ دَفْعًا لِظُهُورِ إفْحَامِهِ فَهُوَ يَكُونُ انْقِطَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَلِيلِ) جَوَابٌ عَنْ تَمَسُّكِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ كَلَامَنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا بَانَ بُطْلَانُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ أَمَّا إذَا صَحَّ دَلِيلُهُ وَكَانَ قَدْحُ الْمُعْتَرِضِ فَاسِدًا إلَّا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى تَلْبِيسٍ رُبَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ فَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَإِنَّ مُعَارَضَةَ اللَّعِينِ كَانَتْ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْمَسْجُونِ وَتَرْكَ إزَالَةِ حَيَاتِهِ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَجَعْلُ الْجَمَادِ حَيًّا إلَّا أَنَّ الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - انْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ أَوْضَحَ وَحُجَّةٍ أَبْهَرَ لِيَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute