للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَسْحٍ فَإِنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ.

(بِخِلَافِ قَوْلِهِ: رُكْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُتَكَرِّرَةٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ) أَيْ مَسْحُ الرَّأْسِ رُكْنٌ وَكُلُّ مَا هُوَ رُكْنٌ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ؛ لِأَنَّ عَكْسَهُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ، وَهَذَا غَيْرُ صَادِقٍ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَ بِرُكْنَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُمَا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ عَدَمَ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ عَدَمِ الْوَصْفِ عَكْسًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَكْسِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ جَعْلُ الْمَحْكُومِ بِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ مَعَ رِعَايَةِ الْكُلِّيَّةِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ كُلِّيًّا. يُقَالُ: كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ أَيْ لَا يَصْدُقُ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَعَدَمُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ عَدَمِ الْوَصْفِ لَازِمٌ لِهَذَا الْعَكْسِ فَسَمَّاهُ عَكْسًا لِهَذَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ، وَهُوَ قَوْلُنَا كُلَّمَا وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ وَعَكْسُهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْحُكْمُ وُجِدَ الْوَصْفُ، وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا كُلَّمَا لَمْ يُوجَدْ الْوَصْفُ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْحُكْمُ فَسُمِّيَ هَذَا عَكْسًا.

(وَكَقَوْلِنَا فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مَبِيعُ عَيْنٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ) أَيْ كُلُّ مَبِيعٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ الْمُعَيَّنَةِ.

(وَيَنْعَكِسُ بَدَلُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) فَإِنَّ كُلَّ مَبِيعٍ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ يُشْتَرَطُ

ــ

[التلويح]

فَيُقَدَّمُ التَّرْجِيحُ بِالذَّاتِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَالَ يَقُومُ بِالْغَيْرِ وَمَا يَقُومُ بِالْغَيْرِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ.

وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الذَّاتَ أَسْبَقُ وُجُودًا مِنْ الْحَالِ فَيَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ أَوَّلًا، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَاجْتِهَادٍ أُمْضِيَ حُكْمُهُ.

فَإِنْ قُلْت: هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي ذَاتِ الشَّيْءِ وَحَالِهِ لَا فِي مُطْلَقِ الذَّاتِ وَالْحَالِ إذْ يَتَقَدَّمُ حَالُ الشَّيْءِ عَلَى ذَاتِ شَيْءٍ آخَرَ كَحَالِ الْأَبِ وَذَاتِ الِابْنِ.

قُلْت: الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى وَصْفٍ يَقُومُ بِهِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ، أَوْ أَجْزَائِهِ وَالْآخَرُ بِمَا يَرْجِعُ إلَى وَصْفٍ يَقُومُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ بِحَسَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ كَوَصْفَيْ الْكَثْرَةِ وَالْعِبَادَةِ لِلْإِمْسَاكِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ وَالثَّانِي بِجَعْلِ الشَّارِعِ وَلِهَذَا قَالَ: إنَّ التَّرْجِيحَ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْوَصْفِ الْعَارِضِيِّ وَإِلَّا فَكَمَا أَنَّ الْعِبَادَةَ حَالٌ لِلْإِمْسَاكِ فَكَذَلِكَ الْكَثْرَةُ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرُوا لَهُ) أَيْ لِلتَّرَجُّحِ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ أَمْثِلَةً أُخْرَى مِنْهَا مَسْأَلَةُ انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ بِصَنْعَتِهِ فِي الْمَغْصُوبِ مِنْ خِيَاطَةٍ، أَوْ صِبَاغَةٍ، أَوْ طَبْخٍ بِحَيْثُ يَزْدَادُ بِهَا قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْوَصْفِ الْحَادِثِ وَالْأَصْلِ مُتَقَوِّمٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ، وَلَا إلَى إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَلُّكِ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ فَرَجَّحْنَا حَقَّ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ، وَهُوَ مَعْنًى رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ وَحَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الصَّنْعَةِ بِالْمَغْصُوبِ وَالْبَقَاءُ حَالٌ بَعْدَ الْوُجُودِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّنْعَةَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمُضَافَةٌ إلَى فِعْلِ الْغَاصِبِ لَمْ يَلْحَقْ حُدُوثَهَا تَغَيُّرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>