للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَزَلَ: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] الْآيَةَ لَوْ نَزَلَ بِنَا عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» ) هَذَا هُوَ الْمَقُولُ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ مُخْطِئٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَوْ كَانَ مُصِيبًا مِنْ وَجْهٍ لَمَا كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَقَدْ مَرَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَقِصَّتُهُ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ.

(وَعِنْدَ الْبَعْضِ مُصِيبٌ ابْتِدَاءً مُخْطِئٌ انْتِهَاءً وَهَذَا مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ) فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدًا لَا يُرَادُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أَقَامَ الدَّلِيلَ كَمَا هُوَ حَقُّهُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ فَيَكُونُ آتِيًا بِمَا كُلِّفَ بِهِ

ــ

[التلويح]

بِمَا أَدَّى إلَيْهِ ظَنُّهُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً لِقِيَامِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ وَيَحْرُمُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ اجْتِهَادُهُ خَطَأً وَاجْتِهَادُ الْغَيْرِ حَقًّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِالْخَطَأِ وَاجِبًا وَبِالصَّوَابِ حَرَامًا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

(قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِنَا) ، وَهُوَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ إذْ لَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا لَصَحَّ صَلَاةُ مَنْ خَالَفَ الْإِمَامَ عَالِمًا بِحَالِهِ لِإِصَابَتِهِمَا جَمِيعًا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ الْمَقْصُودُ هِيَ الْجِهَةُ الَّتِي رَضِيَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهَا، وَعِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا بَأْسَ بِفَوَاتِ الْوَسِيلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْبَعْضِ مُصِيبٌ ابْتِدَاءً) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ مُخْطِئٌ انْتِهَاءً أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ أَنْ يَتَنَاقَضَ الْمَطَالِبُ وَالْأَحْكَامُ مَعَ رِعَايَةِ الشَّرَائِطِ قَدْرَ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى اجْتِهَادَ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ فِي مَقَامِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالِامْتِنَانِ مَعَ كَوْنِهِ خَطَأً بِدَلَالَةِ سَوْقِ الْكَلَامِ، وَفِي تَخْصِيصِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِصَابَةِ الْحَقِّ، فَلَوْ كَانَ خَطَأً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا كَانَ حُكْمًا وَعِلْمًا بَلْ جَهْلًا وَخَطَأً. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي إيتَاءِ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ حُكْمٌ وَعِلْمٌ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ اجْتِهَادُهُ فِيهَا حُكْمًا وَعِلْمًا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِمَا فِي هَذَا الْمَقَامِ فَائِدَةٌ إذْ لَا يُشْتَبَهُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا فِي الْجُمْلَةِ.

(قَوْلُهُ: وَتَنْصِيفُ الْأَجْرِ) أَيْ تَنْصِيفُ أَجْرِ الْمُخْطِئِ فِي الِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ انْتِهَاءً لَا ابْتِدَاءً، فَإِنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الصَّوَابِ، فَلَمَّا كَانَ ثَوَابُهُ نِصْفَ ثَوَابِ الْمُصِيبِ كَانَ صَوَابُهُ أَيْضًا كَذَلِكَ تَوْزِيعًا لِلْأَجْرِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمُخْطِئِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى كَدِّهِ فِي الِاجْتِهَادِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ مُخْطِئٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً تَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إطْلَاقُ الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>