للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَرَعْت تَقْسِيمًا حَاصِرًا عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا وَعَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِنَا مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَفَرِّقَةِ (وَهُوَ قِسْمَانِ إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ، أَوْ يَكُونَ كَالْحُكْمِ بِأَنَّ لِهَذَا رُكْنَ ذَلِكَ، أَوْ سَبَبَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) .

اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَلُّقِ تَعَلُّقٌ زَائِدٌ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْحُكْمِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومِ بِهِ كَكَوْنِ الشَّيْءِ رُكْنًا لِشَيْءٍ، أَوْ عِلَّةً، أَوْ شَرْطًا فَإِنَّ هَذَا التَّعَلُّقَ بِالْحُكْمِ وَنَحْوِهِ حَاصِلٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ.

(أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ) كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَأَمْثَالِهِمَا فَإِنَّهَا صِفَاتٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، (أَوْ أَثَرًا لَهُ. الثَّانِي كَالْمِلْكِ) فَإِنَّ الْمِلْكَ هُوَ

ــ

[التلويح]

يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ، أَوْ لَا فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، وَإِنْ كَانَ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَالْمُتَعَلِّقُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الشَّيْءِ فَرُكْنٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِيهِ فَعِلَّةٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُوَصِّلًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَسَبَبٌ وَإِلَّا فَإِنْ تَوَقَّفَ الشَّيْءُ عَلَيْهِ فَشَرْطٌ وَإِلَّا فَعَلَامَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْحَاكِمُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِنْ قُلْت: الْحُكْمُ يَتَنَاوَلُ الْقِيَاسَ الْمُحْتَمِلَ لِلْخَطَأِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

قُلْت: الْحَاكِمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِيَّةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا بِالصَّوَابِ فَالْحُكْمُ الْمَنْسُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحُومُ حَوْلَهُ الْبَاطِلُ وَمَا وَقَعَ مِنْ الْخَطَأِ لِلْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ حَقِيقَةً بَلْ ظَاهِرًا، وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْت: إذَا قَالَ الشَّارِعُ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، هُوَ الصَّلَاةُ لَا الْمُكَلَّفُ وَالْمَحْكُومُ بِهِ هُوَ الْوُجُوبُ لَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ.

قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومِ بِهِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْمَنْطِقِ بَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَنْ وَقَعَ الْخِطَابُ لَهُ وَبِالْمَحْكُومِ بِهِ مَا تَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِهِ كَمَا يُقَالُ: حَكَمَ الْأَمِيرُ عَلَى زَيْدٍ بِكَذَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا هُوَ صِفَةُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَالْوُجُوبِ وَنَحْوِهِ. وَفِيمَا هُوَ حُكْمُ تَعْلِيقٍ كَالسَّبَبِيَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ خَاطَبَ الْمُكَلَّفَ بِأَنَّ فِعْلَهُ سَبَبٌ لِشَيْءٍ، أَوْ شَرْطٌ لَهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِيمَا هُوَ أَثَرٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَوْ الْمُتْعَةِ، أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَكَوْنُ الْمَحْكُومِ بِهِ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ إذَا جَعَلْنَا الْمِلْكَ نَفْسَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ هَاهُنَا مَا يَصْلُحُ مَحْكُومًا بِهِ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْحُكْمَ إمَّا تَكْلِيفِيٌّ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا وَضْعِيٌّ كَالسَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنْ أَرَادَ بِالتَّكْلِيفِيِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ فَالْوَضْعِيُّ أَيْضًا كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ هَاهُنَا، وَإِنْ أَرَادَ مَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ فَالْإِبَاحَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

قُلْت: أَرَادَ مَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَعَدَّ الْإِبَاحَةَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِكَوْنِهِ أَحَدَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمَشْهُورَةِ لِلْحُكْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ.

فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ إمَّا الْخِطَابُ وَإِمَّا الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَأَيًّا مَا كَانَ لَيْسَ الْمِلْكُ وَنَحْوُهُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَا الْخِطَابِ.

قُلْت: لَمَّا كَانَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ مَثَلًا بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ جُعِلَ حُكْمُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>