فَيُسْتَدَلُّ بِالْمِلْكِ حَالَ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمِلْكِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالِاسْتِصْحَابِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمِلْكُ حَالَ التَّعَلُّقِ صَحَّ التَّعْلِيقُ، ثُمَّ لَا يُبْطِلُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ فَكَمَا لَا يُبْطِلُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهُ زَوَالُ الْحِلِّ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِزَوَالِ الْحِلِّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الثَّالِثِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] .
(قُلْنَا الْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ فَيَكُونُ لِلْجَزَاءِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَحَلِّ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْغَرَضُ أَنْ لَا تَدْخُلَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ الْمَخُوفُ أَيْ: الْجَزَاءُ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ، وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مَانِعًا مِنْ تَفْوِيتِ الْبِرِّ كَالضَّمَانِ يَكُونُ مِنْ
ــ
[التلويح]
عَلَى قَدْرِ السَّبَبِ، وَهَذَا مَعْنَى شُبْهَةِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَكَمَا لَا بُدَّ لِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ مِنْ الْمَحَلِّ كَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِشُبْهَتِهِ وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ النِّكَاحِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الشُّبْهَةِ قِيَامُ الدَّلِيلِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ لِمَانِعٍ وَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ فَيُبْطِلُ التَّعْلِيقُ زَوَالَ الْحِلِّ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا يُبْطِلُهُ بُطْلَانُ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ يَجْعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا، وَلَا يُبْطِلُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دُونَ الثَّلَاثِ لِقِيَامِ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ بِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَيْهَا.
فَإِنْ قُلْت: فَلْيُعْتَبَرْ إمْكَانُ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا فَاتَ الْمَحَلُّ.
قُلْت: لَمَّا فَاتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ تَحَقَّقَ الْبُطْلَانُ وَالْمِلْكُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَتَحَقَّقَ بِفَوَاتِهِ الْبُطْلَانُ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مِنْهُ بُدٌّ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ، وَقَدْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ حِينَئِذٍ، فَلَا جِهَةَ لِلْبُطْلَانِ. وَفِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْعَرِيَّةِ إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاءُ الْمِلْكِ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ كَمَا شُرِطَ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ بِمَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَهِيَ تَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الْمَحَلِّ لَا إلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ فَحَاصِلُ هَذَا الطَّرِيقِ هُوَ أَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ شَرْطٌ لِلْيَمِينِ انْعِقَادًا وَبَقَاءً فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ طَلَقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَزَاءِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ بِفَوَاتِهَا، فَإِنَّمَا هُوَ حَاصِلُ طَرِيقٍ آخَرَ لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ إنَّمَا تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهَا كُلَّهَا بَطَلَ الْجَزَاءُ فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ كَمَا إذَا فَاتَ الشَّرْطُ بِأَنْ جَعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا، أَوْ حَمَّامًا إذْ الْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بَلْ افْتِقَارُهَا إلَى الْجَزَاءِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا بِهِ تُعْرَفُ كَيَمِينِ الطَّلَاقِ وَيَمِينِ الْعَتَاقِ وَنُوقِضَ هَذَا الطَّرِيقُ بِمَا إذَا عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوَقَعَ الشَّرْطُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَلَوْ تَعَيَّنَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهَا الْبَاقِيَةُ فَقَطْ وَلِذَا صَرَّحَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ بِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لَا بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ تَطْلِيقَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute