للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَمَا كَانَ نَفْعًا (كَالطَّلَاقِ، وَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ، وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهُ وَلَا مُبَاشَرَتُهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ مُبَاشَرَةُ الْوَلِيِّ الطَّلَاقَ، وَالْهِبَةَ، وَالْقَرْضَ مِنْ قِبَلِ الصَّبِيِّ (إلَّا الْقَرْضَ لِلْقَاضِي) ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَاضُ مَالِ الصَّبِيِّ لِلْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقْدَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ (فَإِنَّ عَلَيْهِ صِيَانَةَ الْحُقُوقِ، وَالْعَيْنُ لَا يُؤْمَنُ هَلَاكُهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ لَمَّا كَانَ صِيَانَةُ الْحُقُوقِ عَلَى الْقَاضِي، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَيْنَ رُبَّمَا تَهْلَكُ فَيُقْرِضُهَا الْقَاضِي لِتَلْزَمَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَيَأْمَنَ هَلَاكَهَا.

(وَمَا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدْخُلُ الْمُشْتَرَى فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي نَفْعٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَخْرُجُ الْبَدَلُ مِنْ مِلْكِهِ ضَرَرٌ (يَصِحُّ شَرْطُ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (أَهْلٌ لِحُكْمِهِ إذَا بَاشَرَ وَلِيُّهُ فَكَذَا إذَا بَاشَرَ بِنَفْسِهِ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ، وَيَحْصُلُ بِهَذَا) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الصَّبِيِّ بِرَأْيِ

ــ

[التلويح]

لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ، وَاكْتِسَابٌ: وَمُكْتَسَبَةٌ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا دَخْلٌ بِاكْتِسَابِهَا أَوْ تَرْكِ إزَالَتِهَا، وَالسَّمَاوِيَّةُ أَكْثَرُ تَغْيِيرًا، وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فَقُدِّمَتْ، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ: الْجُنُونُ وَالصِّغَرُ وَالْعَتَهُ وَالنِّسْيَانُ وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَالرِّقُّ وَالْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْمَوْتُ فَالْجُنُونُ اخْتِلَالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ، وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ آثَارُهَا، وَبِتَعَطُّلِ أَفْعَالِهَا إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ أَوْ آفَةٍ، وَإِمَّا لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَفْرَحُ، وَيَفْزَعُ مِنْ غَيْرِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا.

(قَوْلُهُ: لِمُنَافَاتِهِ) أَيْ: لِمُنَافَاةِ الْجُنُونِ الْقُدْرَةَ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إنْشَاءِ الْعِبَادَاتِ عَلَى النَّهْجِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ، وَبِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ تَنْتَفِي الْأَهْلِيَّةُ، فَيَنْتَفِي وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَيَنْتَفِي نَفْسُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُمْ) قَالُوا الْجُنُونُ إمَّا مُمْتَدٌّ أَوْ غَيْرُ مُمْتَدٍّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَصْلِيٌّ بِأَنْ يَبْلُغَ مَجْنُونًا أَوْ طَارِئٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَالْمُمْتَدُّ مُطْلَقًا مُسْقِطٌ لِلْعِبَادَاتِ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ إنْ كَانَ طَارِئًا فَلَيْسَ بِمُسْقِطٍ اسْتِحْسَانًا لِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ الْإِلْحَاقُ بِالنَّوْمِ، وَالْإِغْمَاءِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ عُذْرًا عَارِضًا زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ نَفْسِ الْوُجُوبِ لِبَقَاءِ الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ، وَيَمْلِكُ، وَالْإِرْثُ، وَالْمِلْكُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا، وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلُ لِلثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ، وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ، وَالثَّوَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُجُوبِ، فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا حَرَجَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ، فَيَكُونُ الْأَدَاءُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا بِتَوَهُّمِهِ فِي الْوَقْتِ، وَرَجَائِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ هَذَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ الْغَيْرُ الْمُمْتَدِّ طَارِئًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَصْلِيًّا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُسْقِطٌ بِنَاءً لِلْإِسْقَاطِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>