للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ) كَعِبَادَةِ الصَّنَمِ مَثَلًا (بَاطِلَةٌ فَلَا يَكُونُ لِلْكُفْرِ حُكْمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْقَابِلَةِ لِلتَّبَدُّلِ كَبَيْعِ الْخَمْرِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُمْ، وَأَمَّا فِي حُكْمٍ يَحْتَمِلُهُ فَدَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَيْ: دِيَانَتُهُ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ لَهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» (فَلَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ دَافِعَةٌ لَهُ) أَيْ: لِلتَّعَرُّضِ (وَلِدَلِيلِ الشَّرْعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا اسْتِدْرَاجًا وَمَكْرًا وَزِيَادَةً لِإِثْمِهِمْ وَعَذَابِهِمْ كَأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ فِيهَا) أَيْ: فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْرَاجَ تَقْرِيبُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ إلَى الْعُقُوبَةِ بِالتَّدْرِيجِ فَتَكُونُ دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةً لِدَلِيلِ الشَّرْعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَيُوهِمُ تَخْفِيفًا لَكِنَّهُ تَغْلِيظٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا بَيَّنَّا فِي فَصْلِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ أَنَّ الطَّبِيبَ يُعْرِضُ عَنْ مُدَاوَاةِ الْعَلِيلِ عِنْدَ الْيَأْسِ، وَصُورَةُ التَّخْفِيفِ، وَالْإِمْهَالِ تُوقِعُهُمْ فِي

ــ

[التلويح]

يَجْتَمِعَ الزَّوْجَانِ عَلَى التَّرَافُعِ فَحِينَئِذٍ يُفْسَخُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْفُرُوعُ الثَّلَاثَةُ مُتَعَلِّقَةً بِثُبُوتِ الْإِحْصَانِ كَانَ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْهُ ثُمَّ إيرَادِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْإِحْصَانِ مُنْضَمًّا إلَى الدَّلِيلِ عَلَى تَقَوُّمِ الْخَمْرِ نَوْعُ تَعْقِيدٍ، وَسُوءُ تَرْتِيبٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ لِتَغْيِيرِهِ أُسْلُوبَ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ أَوْرَدَ هَذَا الْكَلَامَ جَوَابًا عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ دِيَانَتَهُمْ تُعْتَبَرُ دَافِعَةً لِلتَّعَرُّضِ لَا لِلْخِطَابِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْجَهْلِ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا فَكَيْفَ الْمُكَابَرَةُ، وَالْعِنَادُ.؟ ، لَكِنْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ، مَا يَدِينُونَ، وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِهَذَا بِسَبَبِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُمْ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُتْلِفِ الْخَمْرِ، وَلَا صِحَّةُ بَيْعِهَا، وَلَا إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى نَاكِحِي الْمَحَارِمِ، وَلَا الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَالِ، وَإِحْصَانَ النَّفْسِ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْعِصْمَةِ، وَهِيَ الْحِفْظُ عَلَى التَّعَرُّضِ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَأَكْلِهِمْ الرِّبَا، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ، وَالصَّوَابِ {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا} [النساء: ١٦١] . (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دِيَانَةَ الْكَافِرِ) يَعْنِي: مَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِهِ مُخَالِفًا لِلْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا يُوَافِقُ الْإِسْلَامَ كَحُرْمَةِ الزِّنَا، وَحُرْمَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

(قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مُعْتَقَدَهُمْ) أَيْ: مَا كَانَ شَائِعًا مِنْ دِينِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ وَرَدَتْ بِهِ شَرِيعَتُهُمْ أَوْ لَمْ تَرِدْ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا دَافِعٌ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِي دِينِ الْمَجُوسِيِّ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا غَيْرَ ثَابِتٍ فِي كِتَابِهِمْ إلَّا أَنَّهُ شَائِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَتُهُ عِنْدَهُمْ، فَيَكُونُ دِيَانَةً لَهُمْ بِخِلَافِ الرِّبَا عِنْدَ الْيَهُودِ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ ثَابِتَةٌ فِي التَّوْرَاةِ فَارْتِكَابُهُ فِسْقٌ مِنْهُمْ لَا دِيَانَةٌ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمُعْتَقَدِهِمْ مَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضٌ مِنْهُمْ كَمَا إذَا اعْتَقَدُوا حَدَّ جَوَازِ السَّرِقَةِ أَوْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ دَافِعًا أَصْلًا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّيَانَةِ الدَّافِعَةِ هُوَ الْمُعْتَقَدُ الشَّائِعُ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى شَرْعٍ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>