بِالدِّينِ، وَهُوَ كُفْرٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦] (وَأَمَّا الْإِسْلَامُ هَازِلًا، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا يَحْتَمِلُ حُكْمُهُ الرَّدَّ، وَالتَّرَاخِيَ) تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ.
(وَمِنْهَا السَّفَهُ) وَهُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَبْعَثُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْعَقْلِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَخِلَافُ دَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ أَصْلُهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْبِرُّ، وَالْإِحْسَانُ إلَّا أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ السَّفَهِ وَالْعَتَهِ فَإِنَّ الْمَعْتُوهَ يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ لَكِنْ تَعْتَرِيهِ خِفَّةٌ إمَّا فَرَحًا، وَإِمَّا غَضَبًا فَيُتَابِعُ مُقْتَضَاهَا فِي الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ فِي عَوَاقِبِهَا لِيَقِفَ عَلَى أَنَّ عَوَاقِبَهَا مَحْمُودَةٌ أَوْ وَخِيمَةٌ أَيْ: مَذْمُومَةٌ (وَهُوَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ، وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْبُلُوغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] ثُمَّ عَلَّقَ الْإِيتَاءَ بِإِينَاسِ رُشْدٍ مُنْكَرٍ لَا يَنْفَكُّ سِنُّ الْجِدِّيَّةِ عَنْ مِثْلِهِ إلَّا نَادِرًا، فَيَسْقُطُ حِينَئِذٍ الْمَنْعُ) وَهِيَ خَمْسٌ، وَعِشْرُونَ سَنَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْبُلُوغِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ، فَيَكُونُ أَقَلُّ سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ الْمَرْءُ فِيهِ جَدًّا
ــ
[التلويح]
مَعْنَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُقِيمُ بِهِ النَّاسُ مَعَايِشَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] ؛ وَلِأَنَّهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا الْقَوَّامُونَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَلَّقَ إيتَاءَ الْأَمْوَالِ إيَّاهُمْ بِإِينَاسِ رُشْدٍ، وَصَلَاحٍ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّنْكِيرِ الْمُفِيدِ لِلتَّقْلِيلِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] أَيْ: إنْ عَرَفْتُمْ، وَرَأَيْتُمْ فِيهِمْ صَلَاحًا فِي الْعَقْلِ، وَحِفْظًا لِلْمَالِ {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] ، فَأَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - السَّبَبَ الظَّاهِرَ لِلرُّشْدِ، وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الْجُدُودَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الرُّشْدِ إلَّا نَادِرًا مَقَامَ الرُّشْدِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالْغَالِبِ فَقَالَ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ بَعْدَ خَمْسٍ، وَعِشْرِينَ سَنَةً أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَمْ يُؤْنَسْ، وَهُمَا تَمَسَّكَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَقَالَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ مَا لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ مَالِ مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا اخْتَلَفُوا فِي حَجْرِ مَنْ صَارَ سَفِيهًا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَمَسُّكًا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ، هَذَا الْحَجْرُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ دُونَ الْعُقُوبَةِ وَالزَّجْرِ وَالسَّفِيهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ فَاسِقٌ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ مِنْ جِهَةِ دِينِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَلِهَذَا جَازَ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، وَحَسُنَ عَفْوُ الْوَلِيِّ، وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْجِنَايَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْلِمَ حَالَ السَّفَهِ يَفْتَقِرُ إلَى النَّظَرِ لَهُ فَيُحْجَرُ. الثَّانِي، الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ عَنْهُ لِيَبْقَى مِلْكُهُ، وَلَا يَزُولُ بِالْإِتْلَافِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَنْعِ نَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِلَّا لَأُبْطِلَ مِلْكُهُ بِإِتْلَافِهِ بِالتَّصَرُّفَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى فِي الْحِفْظِ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute