للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتارة يجمع من ذلك ما يجمع، وهذا شأن أهل التحريف، والإلحاد، ومن ذلك ما ذكر لأحمد، فقال: إن قائل ذلك جهمي، وهو قوله: ((خلق على صورة الطين)) ، وهذا وإن كان أجود من هذه التأويلات المذكورة، فإنه فاسد، فإن هذا يقتضي أن تكون له صورة أخرى، خلقت على تلك الصورة، وآدم بعينه هو تلك الصورة، التي خلق فيها الروح.

بل تصويره هو خلقه من تراب، ثم من طين، كما قال – تعالى -: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} (١) فقدم الخلق على التصوير، فكيف تكون الصورة لآدم سابقة على الخلق، حتى يقال: خلق آدم على تلك الصورة. ولو أريد أنه خلق من صورة الطين، لا من أبوين، لقيل كما قال الله – تعالى -: {مِن تُرَابِ} ، وقال تعالى -: {خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ} (٢) ، وقال – تعالى -: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} (٣) .

وكذلك لو تأوله متأول على الصورة المقدرة له، وهي ما سبق له في علم الله – تعالى – وكلامه، وكتابه، أي خلق آدم على الصورة التي قدرها له، فهذا لا يصح، وإن كان الله – تعالى – خلق كل شيء على ما سبق من تقديره، فتأويل الحديث بذلك باطل؛ لأن جميع الأشياء خلقها الله - تعالى – على ما قدره، فلا اختصاص لآدم بذلك، كما أنه لا يصح أن يقول: لا تقبحوا الوجه، ولا يقول أحدكم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على ما قدره؛ فإن الوجه وسائر المخلوقات خلقها الله على ذلك، فينبغي أن لا يصلح تقبيح شيء من الأشياء البته؛ لعموم العلة.


(١) الآية ١١ من سورة الأعراف.
(٢) الآية ٧١ من سورة ص.
(٣) الآية ٢٨ من سورة الحجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>