للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الرابع: أن لفظ الحديث: ((إذ قاتل أحدكم، أو ضرب أحدكم، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)) فنهى عن ضرب الوجه؛ لأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المراد مجرد خلقه عالماً قادراً، ونحو ذلك، لم يكن للوجه بذلك اختصاص، بل لا بد أن يريد الصورة التي يدخل فيه الوجه، ومثل ذلك يقال في اللفظ الآخر: ((لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته)) ، فهو يقتضي النهي عن ذلك؛ لتناوله الله – تعالى -، وأن وجه ابن آدم داخل فيما خلقه الله على صورته.

فإن قيل: هذا تصرح بأن وجه الله يشبه وجه الإنسان، كما ورد: ((صورة الإنسان على صورة الرحمن)) (١) .

فالجواب: أن هذا أيضاً لازم للمنازع، ولهذا أورده الرازي، وأجاب عنه بقوله: ((فإن قيل: المشاركة في صفات الكمال، تقتضي المشاركة في الإلهية، قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة، مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة، لا تقتضي المساواة في الإلهية، ولهذا المعنى قال – تعالى - {وَلَهُ المَثَلُ الأعلَى} (٢) ، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((تخلقوا بأخلاق الله)) (٣) .

فيقال: لا ريب أن كل موجودين، لا بد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى من الآخر، وإلا إذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلاً، ولا يشتركان فيه، لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية، التي لا يتنازع فيها العقلاء، الذين يفهمونها.

وهذا الذي جاءت به السنة من ثبوت هذا الشَّبه من بعض الوجوه، وقد أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فوجب قبوله، والإيمان به، والله – تعالى – هو الذي


(١) تقدم ذكر من رواه.
(٢) الآية ٢٧ من سورة الروم.
(٣) ((أساس التقديس)) (ص ٨٦ – ٨٧) ، والحديث غير معروف، بل هو موضوع، كما قاله شيخ الإسلام، انظر: ((نقض التأسيس)) (٣/٢٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>