فإن كان يريد بالجسمية: القائم بنفسه البائن عن غيره، فالله – تعالى – قائم بنفسه، وبائن من خلقه، وإن كان يريد بالجسمية: الذي تصح الإشارة إليه، ويكون في مكان، فالله – تعالى – يشار إليه وتتوجه قلوب عباده إليه من فوقهم، وهو فوق عرشه مستوٍ عليه، كما علم المؤمنون.
وإن كان يريد بالجسمية البدن، والجسد المركب من الأعضاء واللحم والدم ونحو ذلك، فالله – تعالى – ليس كمثله شيء، وهو منزه عن ذلك، ولم تدل النصوص على هذا.
وإن كان يريد بالمتحيز: الذي تحوزه الأشياء وتحيط به، فالله – تعالى – أجلُّ وأعظم من أن يحيط به شيء مخلوق.
وإن كان يريد أنه تعالى منحاز عن خلقه فلا يحيطون به، وليس حالاً فيهم، ولا شيء من مخلوقاته فيه – تعالى وتقدس، فالله – تعالى – كذلك، وقد علم أن مراد هؤلاء تعطيل الله – تعالى – عما وصف به نفسه وعما وصفه به رسوله، ولكنهم لم يجرؤوا على رد ذلك صراحة، فجاؤوا بمثل هذه الألفاظ المجملة، التي يظنها من لا يعرف مرادهم مراداً بها التنزيه، وهم يريدون تعطيل الله من أوصافه.
ولا يجوز أن يرد كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمثل هذه الأغلوطات، التي يزعم البيضاوي وفريقه أنها أدلة قطعية، والحقيقة أنها شبهات تقطع المفتون بها عن سبيل الهدى.
ثم نقول لهؤلاء: أأنتم أعلم بالله من الله؟ أم أنتم أعلم بالله من رسوله؟ أم أنتم أعظم تنزيهاً لله من رسوله؟ أم أنتم أقدر على البيان من رسوله؟ أم أنتم أحرص على هداية الأمة، وسلامة عقيدتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ أم أنتم أشد غيرة على الله من رسول الله؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.