للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقضاء في هذا معناه الخلق، كقوله – تعالى -: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (١) أي: خلقهن.

وإذا كان الأمر كذلك: فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم، أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إياها عن قصد وتعمد، وتقديم إرادة واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة تلحقهم عليها.

وجماع القول في هذا الباب: أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما رام هدم البناء ونقضه (٢) .

وإنما كان موضع الحجة لآدم على موسى – صلوات الله وسلامه عليهما – أن الله – سبحانه – إذا كان قد علم من آدم أنه يتناول الشجرة ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يرد علم الله فيه.

وبيان هذا في قوله – سبحانه -: {وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِني جَاعِلٌ فيِ الأَرضِ خَلِيفَةَ} فأخبر قبل كون آدم أنه إنما خلقه للأرض، وأنه لا يتركه في الجنة، حتى ينقله عنها إلى الأرض، وإنما كان تناوله من الشجرة سبباً لوقوعه إلى الأرض التي خلق لها وليكون فيها خليفة، ووالياً على من فيها، وإنما أدلى آدم عليه السلام بالحجة على هذا المعنى، ودفع لائمة موسى عن نفسه على هذا الوجه، ولذلك قال: ((أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن أخلق)) .

فإن قيل: على هذا يجب أن يسقط اللوم أصلاً.


(١) الآية ١٢ من سورة فصلت.
(٢) يعني: تقدير الله للأشياء، وسبق علمه بها، وأفعال العباد وأكسابهم وإرادتهم واختيارهم، فالقدر بمنزلة الأساس، وأفعال العباد مبنية عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>