للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جرير: ((يقول تعالى لنبيه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ َ} يقول: لئن أشركت بالله شيئاً يا محمد ليبطلن عملك، ولا تنال به ثواباً، ولا تدرك به جزاء إلا جزاء من أشرك بالله.

وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، أي: أوحي إلى الذين من قبلك من الرسل مثل الذي أوحي إليك، فاحذر أن تشرك بالله شيئاً فتهلك)) (١) .

وفي هذه الآية تعظيم أمر الشرك؛ لأن الله تعالى وجه الخطاب إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – بأنه لو أشرك لحبط عمله، وأصبح من الخاسرين، فكيف بغيره من سائر الناس؟ ومثلها قوله – تعالى – بعد ما ذكر فضل الأنبياء ونعمته عليهم: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (٢) .

ووجه الاستدلال بالآية: التحذير من الوقوع في أي نوع من أنواع الشرك، مثل أن يعتقد أن صفة الله كصفات الخلق، أو كلامه ككلامهم، فمن وقع في ذلك، فقد وقع في الشرك المحبط للأعمال، وصاحبه من الخاسرين.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا أخَرَ} هذه الآية في سياق ثناء الله – تعالى – على عباده المؤمنين، الذين يخشونه، ولا يخشون أحداً غيره، ويتجهون إليه بالدعاء والعبادة وحده، ويبيتون ليلهم سجداً لله وقياماً، رجاء ثوابه، وخوفاً من عقابه.

وهذه الآية بمعنى الحديث الآتي، وقد جاء في رواية: أن ابن مسعود لما ذكر الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: فنزل تصديق ذلك {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية.


(١) ((تفسير الطبري)) (١١/١٦) طبعة بولاق.
(٢) الآية ٨٨ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>