كما أن الفريق الضال الآخر الذين يجعلون العباد خالقين لأفعالهم، وموجدين لها، مشركون بذلك، وهذا وجه إيراد البخاري – رحمه الله – للآيات التي سبق ذكرها، وتقدم الكلام على أفعال العباد.
ثم استدل على دخول أفعال العباد في مخلوقات الله – تعالى – بقوله:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَرَهُ تَقدِيراً} فدخلت أفعالهم في عموم {كُلَّ شَيءٍ} ، ودل قوله:{فَقَدَرَهُ تَقدِيراً} على أنه – تعالى – أتقن ذلك، غاية الإتقان، حيث خلقها وجعلها مفعولة للعباد، واقعة منهم، بإرادتهم، واختيارهم، لم يرغموا عليها، بل فعلوها راغبين في فعلها، مختارين لها، ولذلك استحقوا عليها الثواب، والعقاب.
يعني: أن تنزل الملائكة هو فعلهم بأمر الله – تعالى – لهم طائعين ممتثلين أمر ربهم، فالنزول منهم فعل لهم يستوجبون به الثناء من الله؛ لأنهم أطاعوه بذلك، فأفعالهم قائمة بهم يفعلونها باختيارهم، كبني آدم.
وأما قوله:{إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِكرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فهو فعل الله، والضمير في {لَهُ} عائد إلى الذكر في قوله: {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِكرَ} .
وقوله:{عِندِنَا} أراد به، بيان أن هذا فعل الله الخاص به.
وبيَّن ذلك بقوله:{لِيسأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدقِهِم} ((المبلغين المؤدين من الرسل)) أي: المؤدين الرسالة، كما أمرهم الله.
فالصدق: فعل الصادقين، والصادق هو: المتصف بالصدق، الذي قام به الصدق فعلاً له، فالصدق فعلهم وعملهم، والله تعالى – يسألهم عن عملهم.