قلتُ: إنَّ الحركة العلمية كانت هامدةً في ذلك الوقت، وكل من تصدَّر لوعظ الناس فهو عندنا عالمٌ، فما بالك بأشهر الواعظين عندنا في ذلك الزمان - وهو الشيخ كشك - الذي كان له بالغ التأثير في الناس بحسن وعظه، ومتانة لفظه، وجرأته في الصدع بالحق، لم ينجُ منحرفٌ من نقدهِ مهما كان منصبه، وكان فى صوته - مع جزالته - نبرة حُزن، ينتزع بها الدمع من المآقى إنتزاعاً، حتي من غلاظ الأكباد وقساة القلوب، فكان هذا الشيخ العالم الأول والأخير عندي، لا أجاوز قوله. وقد انتفعت به كثيرا في بداية حياتى، كما انتفع به خلقٌ، لكننى لما طالعت " السلسلة الضعيفة " وجدت أن كثيراً من الأحاديث التى يحتج بها الشيخ منها، حتى خيل إِلىَّ أنه يحضر مادَّة خطبه من هذه " السلسلة "، وسبب ذلك فيما أرى أن الشيخ حفظ أحاديثه من كتاب " إحياء علوم الدين " لأبى حامد الغزالى، وكان الغزالى - رحمه الله - مزجى البضاعة فى الحديث، تام الفقر فى هذا الباب!
فعكَّر علىَّ كتاب الشيخ ما كنت أجدهُ من المتعة في سماع خطب الشيخ كشك حتى كان يومٌ، فذكر الشيخ على المنبر حديثا عن النبى صلي الله عليه وسلم قال:((إن الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة، ويتجلي لأبى بكر الصديق خاصة (١)) ) . فلأول مرة أشك فى حديث أسمعه، وأسأل نفسى: ترى! هل هو صحيح أم لا؟ ومع شكى هذا فقد انفعلت له وتأثرت به بسبب صراخ الجماهير من حولى، استحساناً وإعجاباً! .
ولما رجعت الى منزلى، قلبت " السلسلة الضعيفة " حديثا حديثا أبحث عن الحديث الذي ذكره الشيخ كشك فلم أجده فواصلت بحثي، فبينما كنت
(١) وهو حديث باطل كما حققته عند الرقم (١٥٢٩) من هذا الكتاب والحمد لله