وكان الشيخ يصلى الغداة فى ((مسجد الفالوجا)) بجوار منزل أبى الفداء، ولم أذق طعم النوم ليلتى بسبب تأمُّلى المسألة التي طرحها الشيخ، ولم تكتحل عينى بنومٍ إلَاّ قبيل الفجر، وراح علىَّ بسبب ذلك لقاء الفجر مع الشيخ، وكلمناه فى الصباح، فأعطانا موعداً عقب صلاة العشاء في منزل أبى الفداء.
وكان لقاءً حاراًّ، بدأنى الشيخ بالعناق، لأننى لا يمكن أن أبدأه بذلك هيبةً له، وكان معنا في هذا اللقاء الأخ الفاضل أبو الحارث على الحلبى حفظه الله، وجلسنا نحو ساعةٍ ونصف الساعة نسألُ، والشيخ يجيبُ، فلما تصرمت الجلسة، وخرجنا من الدار، إنتحيتُ بالشيخ جانباً، وشرحتُ له باختصارٍ ما كابدتهُ فى السفر إليه، ولم يخرجنى من بلدى إلَاّ طلبُ العلم، فلو أذن لى الشيخ أن أخدمه وأساعده لأتمكن من ملازمته، فشكرنى واعتذر لى، نظراً لضيق وقته. فقلت له: أعطنى ساعة كل يوم أسألك فيها. فاعتذر
فقلت له: أعطنى ما يسمح به وقتك ولو كان قصيراً، فاعتذر!
فأحسست برغبة حارَّة ٍفى البكاء، وتمالكت نفسى بعناء بالغٍ، وأطرقتُ قليلاً ثم قلت للشيخ: قد علم الله أنه لم يكن لى مأربٌ قطُّ إلَاّ لقاؤكم والإستفادةُ منكم، فإن كنتُ أخلصتُ نيتى فسيفتح الله لى، وانْ كانت الأخرى؛ فحسبى عقاباً عاجلاً أن ارجع إلى بلدى بخفى حنين!
وانا سأدعو الله أن يفتح قلبك لى.
ولست أنسى هذا الموقف ما حييت.
ثم التقيت بالشيخ فى صلاة الغداة من اليوم التالى، فقبلتُ يده - وهذا دأبى معه - فقال لي: لعلَّ الله استجاب دعاءك؛ وكان فاتحة الخير. وكنت أكاد