إلى أن قال عمر: " فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ. . . الحديث ".
قُلْتُ: فأنت تري فى هذا الحديث أن من الصحابة من كان يعتقد أن استيلاء غسَّان على المدينة أهون من تطليق النبى صلى الله عليه وسلم نساءه مع أن الطلاق مباح، بل جلس بعضهم يبكى حول المنبر لتكدُّر خاطره صلى الله عليه وسلم مع أنه لو طلقت بنت أحدهم لما بكى، فإذا كان الأمر كذلك، فكيف إذا اتهمت زوجة نبيهم صلى الله عليه وسلم بالزنى؟!
وهذا يدلك على ما كان الصحابة عليه من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغاية القصوى.
فإذا نظرتَ الى ما حدث فى الإفك من رَمْى العفيفة المؤمنة أمِّ المؤمنين، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثر نسائه عنده بهذه الداهية الدهياء، والفاقرة العظيمة، علمت ما حلَّ بالمجتمع المسلم كلِّه من البلاء العظيم والخطب الفادح، حتى أن النبى صلى الله عليه وسلم كرُب له، وطفق يستشير خاصته فى أمر عائشة بعد أن استلبث الوحى فسأل أسامة بن زيد فأشار على النبى صلى الله عليه وسلم بالذى يعلم من براءة عائشة وقال: يا رسول الله! أهلُك، وما نعلمُ إلا خيراً، وأما على بن أبى طالب فقال: يا رسول الله! لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أى بريرةُ! هل رأيت من شىء يريبُك؟ قالت بريرة: لا والذى بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً