أغِمصُه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن تأكلُهُ. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبى بن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يَعْذرُنى من رجل بلغنى أذاه فى أهل بيتى؟ فوالله ما علمتُ على أهلى إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلَاّ خيراً، وما كان يدخل بيتى إلَاّ معى. فقام سعد بن معاذ الأنصارىُّ، فقال: يا رسول الله! أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيِّدُ الخزرج فاحتملته الحمية، فقال لسعد ابن معاذ: كذبت لعمر الله! لا تقتلُهُ، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضيرٍ - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله! لنقتلنَّهُ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتساور الحيًّان الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخَفِّضُهم حتى سكتوا وسكت..)) . وفى حديث ابن عمر:" وقام سعد بن معاذ فسلَّ سيفه ".
قُلْتُ: فهذا التوتر الشديد الذى وقع بين الصحابة حتى كادوا أن يقتتلوا - مع أنهم ضربوا أروع الأمثلة فى المحبة والوفاء والإثار- يدلك على حجم المحنة التى عانوها، ولم يكن المقصود الأوَّل فى هذه المحنة هو إتهام عائشة رضى الله عنها، بقدر ما كان طعنا على النبى صلى الله عليه وسلم، وأن تحته امرأة يزن بها، ومع أن الزنى دون الشرك فى الإثم، إلا أن الزنا عار، ولذلك لا يعير أحد بأن أباه كافر، أو ابنه، فقد كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً، ولم يعير به، وكان ابنُ نوح وامرأته كافرين، ولم يعير بهما، وكانت امرأة لوط كافرة، ولم يعير بها، بخلاف الزنى فإنه عار وشنار على أهله فى الدنيا قبل الآخرة. إن إسقاط ((الرمز)) أقلُّ مؤنةٍ على المنافقين من إحداث الشَّغَبِ فى المجتمع كلِّه،