للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والحديث. ولا أعلم أحد له مساس بهذا العلم إلَاّ وللشيخ عليه فضلٌ دقَّ أو جلَّ، حتى أنَّ حاسديه يستفيدون من علمه ويحطون عليه، وأغلب تخاريجهم مسروقةٌ من كتبه، ويعلم هذه الحقيقة من له ممارسهٌ لكتب الشيخ وقد ظلَّ الشيخ مُعَظَّمَا معافى حتى انتشر هذا العلم، وكثرت فهارس الكتب، واستطاع أصغر الطلبة أن يعزو الحديث - بدلالة الفهرس - إلى كتب لم يطلع عليها كثيرٌ من الحفاظ القدامى فضلاً عن المحدثين وبان لهذه الظاهرة الإيجابية - وهى الاقبال على دراسة الحديث - وجهٌ سلبى بغيضٌ.

قُلتُ قبل ذلك: إنَّ رأس مال المحدث هو الإسناد، وهو مبعثر ٌ في عشرات الألوف من الكتب والأجزاء، ومن المستحيل على رجلٍ واحدٍ أن يستحضر كلَّ ما فى هذه الكتب حال تحقيقه للحديث، فربما ضعَّف الحديث ولم يقف له علة شاهد، أو يجزم بتفرُّد أحد رواته به، ويكون له متابعون، أو يغفلُ فيُبرمُ فى موضعٍ ما ينقضه فى موضع آخر، لبعد ما بين الموضعين فى التدوين، أو يَتَغيَّرُ اجتهاده، وهذا كان يقع لكبار الحفاظ والأئمة الفضلاء الذين هم معدنُ العلم، فلما انتشرت الفهارس العلمية، وتمكن صغار الطلبة من الوصول إلى مواضع الحديث فيها، كثر تعقبهم للعلماء، مع إساءة الأدب معهم، واتهامهم بالغفلة والتقصير والجهل والتجاهل، إلى آخر هذه الألفاظ التى كثرت فى السنوات العشر الأخيرة.

وقد ذكَّرنى انتشار الفهارس ومضرتها بكلمةٍ قالها التابعىُّ الجليل محمد بن سيرين رحمه الله لما انتشرت الكتابه فقال: " وددت أن الأيدى قطعت فى الكتابة " قيل له: لم؟ قال: لأنها ضيعت الحفظ! ولست أجحدُ فائدة الفهارس، وأنَّها سهَّلت على أهل العلم مهمتهم، وأشاعت بين العامة الاهتمام بالسنة، والبحث عن صحيحها وسقيمها ولكن: ((لكل شىء إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>