فظاهرةُ التعالمُ هى التى شوهت جمالَ هذه النهضة، وأتاحت هذه الفهارسُ لكل متنفخٍ أن يتطاول على الشوامخ، وكم لهذا التعالم من مضارٍّ، من أهوانها- مع فداحته - أن يختلط العالم بشبيه العالم، ولا يميز الناس بينهما، فيستفتون شبيه العالم فيقع الخبط والخلط ومما يدل على صحة ما أقول ما أخرجه الشيخان من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه في قصة الذى قتل مائة نفس. وفى الحديث أن القاتل سأل عن أعلم أهل الأرض، فدلوه على راهب فسأله، فقال: إنى قتلت تسعة وتسعين نفسا فهل لى توبة؟ قال: نعم، ومن يحجب عنك باب التوبة، اخرج الى أرض كذا وكذا.. إلى آخر الحديث المشهور، فما دلت الناس القاتل على الراهب الأول إلا لأنها تظنه عالما لتشابه أزيائهم ووجوههم، وهكذا كل من لبس جبة وعمامة، وأرخى لحيته فهو عند العوام عالم.
ويذكرنى هذا التشابه بين العالم وشبيهه مع البون الشاسع بينهما فى الجوهر بقصة ذكرها أبو الفرج فى " الأغانى "(٨ / ٢١١) فقد ذكر أن الشاعر ثابت بن جابر، المعروف بـ ((تأبَّط شرَّا)) لقى ذات مرة رجلا من " ثقيف" يقال له: " أبو وهب "، وكان رجلا أهوج، وعليه حُلَّةٌ جيِّدةٌ، فقال أبو وهب لتأبَّط شرا: بم تغلب الرجال يا ثابت، وأنت كما ترى دميم وضئيل؟! قال: باسمى!! إنما أقول ساعة ألقى الرَّجل: أنا تأبَّط شرًّا، فينخلع قلبه، حتى أنال منه ما أردت! فقال له الثقفى: أبهذا فقط؟! قال: قط! قال: فهل لك أن تبيعنى اسمك؟ قال: نعم، فبم تبتاعه؟ قال: بهذه الحُلَّة،