ولما لم أعثر على الورقة فى المجلدات المذكورة، قلت فى نفسى: لعلها خيطت خطأ فى مجلد من مجلدات كتب الحديث، والمسجلة فى المكتبة تحت عنوان (حديث) ، فأخذت أقلبها مجلداً مجلداً، حتى انتهيت منها دون أن أقف عليها! ولكنى سجلت أيضا عندى ما شاء الله تعالى من المؤلفات والرسائل. وهكذا لم أزل أعلل النفس وأمنيها بالحصول على الورقة، فأنتقل فى البحث عنها بين مجلدات المكتبة ورسائلها من علم إلى آخر؛ حتى أتيت على جميع المخطوطات المحفوظة بالمكتبة، والبالغ عددها نحو عشرة آلاف مخطوط، دون أن أحظى بها!
ولكنى لم أيأس بعد، فهناك ما يعرف بـ (الدست) ، وهو عبارة عن مكدسات من الأوراق والكراريس المتنوعة التى لا يعرف أصلها، فأخذت فى البحث فيها بدقة وعناية، ولكن دون جدوى.
وحينئذ يئست من الورقة، ولكنى نظرت فوجدت أن الله تبارك وتعالى، قد فتح لى - من ورائها - باباً عظيماً من العلم، طالما كنت غافلا عنه كغيرى، وهو أن فى المكتبة الظاهرية كنوزاً من الكتب والرسائل فى مختلف العلوم النافعة التى خلفها لنا أجدادنا رحمهم الله تعالى، وفيها من نوادر المخطوطات التى قد لا توجد فى غيرها من لمكتبات العالمية، مما لم يطبع بعد.
فلما تبين لى ذلك، واستحكم فى قلبى، استأنفت دراسة مخطوطات المكتبة كلها من أولها إلى آخرها، للمرة الثانية، على ضوء تجربتى السابقة التى سجلت فيها ما انتقيت فقط من الكتب، فأخذت أسجل الآن كل ما يتعلق بعلم الحديث منها مما يفيدنى فى تخصصى؛ لا أترك شاردة ولا واردة، إلا سجلته، حتى ولو كانت ورقة واحدة، من كتاب أو جزء مجهول الهوية! وكأن الله تبارك وتعالى كان يعدنى بذلك كله للمرحلة الثالثة والأخيرة،