ولما كانت رسالة الحضارة الإسلامية عامة شاملة، منفتحة الحدود النفسية، وليست حكرًا على قوم أو طبقة أو صنف من الناس، وغير منحصرة داخل الدوائر الأنانية الضيقة العنصرية أو القومية أو الطبقية أو غيرها، كان رواد هذه الحضارة، وحملة رسالتها، وطلائع مدها العالمي خيرة من الناس انفتحت حدودهم النفسية انفتاحًا تامًّا للإنسانية جمعاء، وذلك بإرادة الخير والمجد وسعادة الدنيا والآخرة لكل من خلق الله من إنسان، ثم جروا وراء ذلك ذيول الرحمة والإحسان والرفق على جميع ما خلق الله من حيوان.
ولقد يدهش الباحثون ومؤرخو الحضارات الإنسانية لذلك التحول العجيب السريع، الذي تم في المجتمع العربي خلال القرن السابع للميلاد؛ إذ تحول الإنسان العربي بسرعة فائقة من إنسان قبلي عنصري أناني ضيق الحدود النفسية إلى إنسان عربي العرق والبيان، عالمي الفكري والجنان، إنساني النزعة، يحب الخير كل الخير، للناس كل الناس، ينادي وهو قائد الفتح، ورائد الحضارة العالمية:
"لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى أو عمل صالح".
ويقف الرسول صلوات الله عليه يوم فتح مكة فيقول:
"يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب".
ثم تلا قول الله تبارك وتعالى في سورة "الحجرات: ٤٩ مصحف/ ١٠٦ نزول":
ولكن سرعان ما ينتهي دهش الباحثين ومؤرخي الحضارات الإنسانية ويزول عجبهم حينما يطلعون على أسس الحضارة الإسلامية، التي ألحت عليها مصادر الدين الجديد، الذي ختم الله به رسالات السماء للأرض، واصطفى لتبليغه النبي