أسس الحضارة الإسلامية أثره العميق في البناء الفكري للمجتمع الإسلامي، الذي وعى الإسلام حقًّا وتأدب بآدابه.
ولم يقف ذلك عند حدود تعاليم مكتوبة أو محفوظة، وشعارت يتاجر بها حملتها، وإنما كان مثالًا حيًّا متحركًا يقدمه المسلمون أفرادًا وجماعات، في مختلف أعمالهم، وشتى أنواع سلوكهم الفردي والجماعي، نظرًا إلى ما أحدثه الإيمان بالإسلام في قلوبهم من قوى فعاله، تتحكم بأنواع سلوكهم، وتجعلهم متقيدين بتعاليم الإسلام وأحكامه تقيدًا تامًّا، ولو خالفت أهواءهم الخاصة، وناقضت المفاهيم التي كانت سائدة فيهم.
أمثلة تطبيقية:
١- تغاضب أبو ذر وهو عربي من غفار، مع بلال الحبشي مولى أبي بكر رضي الله عنهم، وكان أبو ذر وبلال صحابيين، وتطور النزاع بينهما إلى أن أخذت أبا ذر الحدة، فقال لبلال: يابن السوداء، فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله لأبي ذر:
"طف الكيل، اتعيره بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية"!
قال أبو ذر: على ساعتي هذه من كبر السن؟ ظانًا قصد الرسول بالجاهلية هو ما يغتري الشباب من طيش يخرجهم عن حد الاعتدال، فقال له الرسول صلوات الله عليه:
"نعم هم إخوانكم"، أي: والأخوة تستلزم التحقيق بمعنى إلغاء فوارق العرق واللون واللغة والطبقة الاجتماعية، فندم أبو ذر رضي الله عنه وتاب، حتى إنه أمر بلالًا أن يطأه على وجهه، مبالغة منه في إعلان التوبة والندن، واسترضاء لبلال مما عيره به من سواد أمه.
٢- سرقت امرأة من بني مخزوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو مخزوم قبيلة من قبائل قريش، وهم من أشراف مكة ووجوهها، فجيء بها إلى رسول صلى الله عليه وسلم؛ ليقضي في شأنها، فثبت عنده أنها سارقة، وحكم الله يقضي بإقامة حد السرقة عليها، فأهم ذلك الأمر القرشيين من المسلمين، نظرًا إلى الطبقة