كل الوساوس التي قد تمر على قلوب المؤمنين الصادقين، دون أن تخلف فيها أثرًا من شك.
والمثالية في النيات تتم بابتغاء مرضاة الله، تعظيمًا له، وطمعًا بثوابه، وخوفًا من عقابه، ولكن هذا الشيء المثالي ذو درجات أيضًا بعضها أرقى من بعض.
فعبادة الله تعظيمًا له لأنه إله من حقه على عبيده أن يعبدوه، أرقى من عبادته طمعًا بالأجر، أو خوفًا من العقاب، مع أن كلا منهما لا ينزل عن مرتبة المثالية في النيات.
وعبادات الرسول صلوات الله عليه بعد أن علم أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعد له في الجنة أرفع مكانة، هي من أرفع درجات المثالية، ويشهد لهذا أنه لما تعجب بعض أصحابه من اجتهاده في عبادته وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر أجابهم بقوله:
"أفلا أكون عبدًا شكورًا". رواه البخاري ومسلم.
وما يروى عن المرأة الصالحة "رابعة العدوية" من قولها: "إلهي ما عبدتك خوفًا من نارك ولا طمعًا في جنتك وإنما علمت أنك إله تستحق أن تعبد فعبدتك".
ونظر عمر بن الخطاب إلى صهيب رضي الله عنهما فرأى إحسانه في عبادته فقال:
"نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه".
أي: فكيف به إذا خاف الله.
إنما ذلك درجة عليا من درجات مرتبة المثالية، التي يشهد فيها الإنسان عظيم صفات الله تعالى، وينسى مع هذا الشهود مطامع نفسه ومخاوفها، فلا يشهد مع ذلك إلا استحقاق الله لأن يعبد فهو يعبده لذلك، غير ناظر إلى حظوظ نفسه من هذه العبادة.