للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها قول الله تعالى في سورة "الإسراء: ١٧ مصحف/ ٥٠ نزول":

{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} .

ومنها قول الله تعالى في سورة "المؤمنون: ٢٣ مصحف/ ٧٤ نزول":

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} .

فمضمون البرهان العقلي في قوله تعالى قل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، أنه لو تعددت الآلهة الأرباب في الكون لفسد نظام السماوات والأرض، ولأختل تماسكهما القائم على وحدة نظام، ووحدة تسيير، وهذا من الأمور المسلم بها؛ لأن الإرادات الحرة إذا توجهت شطر مخلوق فلا بد أن تتعارض، ومتى تعارضت تنازعت، ومتى تنازعت فسد نظام المخلوق، والكون كله مخلوق مترابط بوحدة نظام وتسيير كما هو مشاهد، فلو كان فيه آلهة أرباب غير الله لفسد نظامه واختل وجوده وبقاؤه، وقد تضمنت هذه الآية في استدلالها برهانًا قاطعًا على نفي فكرة تعدد الآلهة الأرباب، وهذا البرهان هو ما يسمى ببرهان التمانع، كما يعرف ذلك المنطقيون.

ومضمون الدليل في قوله تعالى في آية "الإسراء": {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} أنه لو كان مع الله آلهة أرباب تحكم في الكون وتتصرف، وتحيي وتميت، وترزق وتشفي، ومن أجل ذلك تستحق أن تعبد كما يقول المشركون، للزم أن تتخذ هذه الآلهة الأرباب سبيلًا إلى منافسة ومنازعة ومقاتلة رب العرش، الذي يعترفون به ربًّا خالقًا له، ولا ينكرون وجوده وقدرته، ولكنهم يشركون معه آلهة أخرى، وإنما يلزم أن تتخذ سبيلًا إلى هذه الأمور لأن الإلهية المتضمنة كمال التصرف وكمال القدرة لا تقبل الخضوع والاستسلام لرب هو إله معبود فوقها.

أما وإنها لم تتخذ هذا السبيل لرب العرش، ورضيت بضعفها وإلهيتها

<<  <   >  >>