للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المزعومة في نطاق الأرض، فإن ضعفها هذا من الأدلة القاطعة على أنها مخلوقة كسائر المخلوقات، وقد انتحلت لها الإلهية انتحالًا باطلًا، لا يصاحبه دليل تقبله العقول السليمة.

ومضمون الدليل في قوله تعالى في سورة "المؤمنون": {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أنه لو كان مع الله إله آخر له حق الإلهية بربوبيته لكان من أبسط النتائج البدهية أن يجمع كل إله رب مخلوقاته، ويذهب بها، متصرفًا فيها تصرفًا مستقلًّا، ثم لعلا بعض الآلهة الأرباب المتعدد على بعض، بمقتضى سيادة الربوبية واستقلالها، وأن كل واحد لا بد أن ينفذ مراداته ولو تعارضت مع إرادة غيره، ومن ذلك ينشأ التنازع، وغلبة الأقوى للأضعف، وعندها يقال: إن الأضعف لا يصلح للإلهية فهو ليس بإله، ولكن كل ذلك غير واقع؛ لأن الله واحد لا شريك له، فسبحان الله عما يشركون وسبحانه وتعالى عما يصفون.

وعلى هذا النسق تسير الاستدلالات العقلية في القرآن الكريم، موجهة مناقشاتها لفئتي المتعقلين, الباحثين العلميين المفكرين.

هـ- ومن أمثلة الإقناع بالأساليب الخطابية المؤثرة في النفوس، لما فيها من روائع أدبية، قول الله تعالى في سورة "الرعد: ١٣ مصحف/ ٩٦ نزول":

{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} .

إن هذا النص الرائع الذي جاء على صيغة مثل ليملأ الأنفس قناعة بأن الظفر في آخر الأمر للحق، وأن البقاء له، وأما الباطل فيضمحل ويزهق مهما ظهر له بروز في الأرض، ومهما طفا على السطوح، وبأن الظفر أيضًا لأنصار الحق على جنود الباطل مهما علا شأن المبطلين في أول الأمر.

ولكن هذا الإقناع جاء على صورة خطابية ذات وقع شديد على مشاعر

<<  <   >  >>