الظواهر التي نحسها، كعلمنا بأن طارقًا ما طرق الباب علينا، حينما نسمع حلقة الباب تعطي صوتًا معينًا، وأن سببًا ما قذف الحجر حينما نرى الحجر مر في الفضاء واستقر في فناء الدار، وأن متعمدًا بَيَّت أمرًا ما حينما نرى انفجارًا وقع في مكان محروس لا توجد فيه متفجرات، وتحقق لدينا أنه لا يحتمل أن يكون من سبب آخر.
وظاهر أن هذه الاستنتاجات تعتمد على حقائق فكرية لدينا اكتسبناها من اختبارات طويلة الأمد في الحياة، مع فطرة مركوزة فينا، وهي أن المسببات لا بد لها من أسباب قد أثرت فيها.
ومن أمثلة ذلك أيضًا القوانين والقواعد الرياضية والهندسية، والقوانين والقواعد المنطقية، والقوانين الفلسفية، والسنن الكونية الثابتة، فهذه القوانين والقواعد والسنن قد تم استنتاجها عن طريق العقل، بعد الملاحظة والاختبار والتجربة الكافية لإثبات الحقائق القطعية.
ألسنا نلاحظ أن هذه الاستنتاجات العقلية في حدودها القطعية تفيدنا العلم اليقيني؟
ومن أجل ذلك كان هذا المسلك القاطع من المسالك التي تعتمد عليها الحضارة الإسلامية، وتوجه الناس لاكتساب معارفهم وعلومهم بها.
وهنا نلاحظ أن أصول الحضارة الإسلامية تلح على وجوب تتبع الظواهر الحسية بالملاحظة الدقيقة، وبالتجربة والاختبار، والاستقراء الشامل قدر الإمكان، لاستخلاص الحقائق الكامنة وراء الظواهر، واستنتاج القواعد العامة، والمعارف الكلية منها، إضافة إلى المعارف والعلوم الجزئية التي تقدمها لنا ظواهر الأشياء، بشكل مباشر، أو قريب منه.
ج- وأما مسلك الخبر الصادق القاطع الذي يفيد العلم اليقيني، فهو المسلك الذي يعتمد على شهادة المخبرين الصادقين الذين يستحيل عقلًا اتفاقهم على الكذب، أو يعتمد على شهادة نبي من الأنبياء المؤيدين من عند الله بالمعجزات الباهرات.