للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا نلاحظ أنه قد يقوم برهان العقل على أن مخبرًا ما فردًا، كان أم جماعة صادق قطعًا فيما يخبر به، فيمر خبره على مراكز الإدراك، للتأكد من صورة الخبر، وفهم المراد منه، ثم ينتقل مباشرة فيكون علمًا يقينيًَّا.

الخبر المتواتر:

كلنا نعلم علمًا يقينيًّا بوجود بلاد معينة نائية عنا، وبوجود حيوانات معينة غريبة عن بلادنا، دون أن نرى هذه البلاد، وهذه الحيوانات، ودون أن نستطيع بطريق العقل استنتاج وجودها، وإنما وصلت إلينا الأخبار المتواترة بذلك.

وكذلك نعلم علمًا يقينيًّا بقيام الحرب الكونية الأولى ونحن لم نحضر هذا الحرب، ولم نشاهد وقائعها، وإنما علمنا بها عن طريق الأخبار المتواترة.

ولو جاءنا مكذب لهذه الحقائق لكذبناه أو استسخفناه بلا أناة؛ لأنه في نظرنا يكابر في إنكار الحقائق المشهود لها بأدلة لا تحتمل الرفض.

ومن هذا نرى أن الأخبار المتواترة تفيدنا العلم اليقيني بداهة، والأخبار المتواترة هي الأخبار التي ينقلها جمع من المخبرين يستحيل في العقل اتفاقهم على الكذب، ومن المستقر في نفوسنا أنه لا يمكن أن تتفق على صورة كذبة واحدة كثرة كاثرة من المخبرين اختلفت أحوالهم وتباينت أغراضهم، وهم في حالة لا يجمعهم فيها على الكذب جامع.

ولهذا نجد أنفسنا مضطرين عقلًا أن نقبل خبر الذين لا يمكن عقلًا اجتماعهم على الكذب، وأن نعتقد به حقيقة واقعة غير قابلة للشك، وإلا حرمنا أكثر العلوم والمعارف، وحرمنا إدراك أية حقيقة من حقائق التاريخ.

خبر الرسول:

ولقد ثبت لدينا عقلًا صدق خبر النبي فيما أخبر به عن الله تعالى، من أحكام وتشريعات، وفيما أخبر به من أمور الغيب، وثبت لدينا أيضًا أن خبره

<<  <   >  >>